من نحن
دبّتْ قدمُ شرٍ مستطير في دنيا المسلمين.. غرزتْ خطواتها في فجوات الشقاق الموجودة في جسد الأمة بين الأفراد وأيضاً بين الجماعات، وأوقدت نار الحرب فيما كان يغلّ في الصدور – على مدى عصور – من ظلمات التباغض والتحاسد والتدابر والتقاطع… وما كان يسحق وجودهم من ظالمات التغاير الفكري والتنافر الطبقي والتفاخر القومي والتناحر الاقليمي.
وكانت النتيجة ما نشهده – ويشهده العالم كلّه – من عنف وإرهاب وثورات وحروب أهلية وحدودية وفقر وجهل وتهجير وتدمير وانتهاك للإنسان.. وما جرّت معها – هذه الحرب – من تهاوي للمشاريع الإصلاحية كلها، وسقوط للأولويات والاستراتيجيات، حتى خيّم على كل شيء حالٌ مأزوم حزين، وتسرب هذا الحال إلى كل مسلم يهتم بأمور المسلمين مولداً لديه الشعور بالغبن والخيبة والعجز والإحباط والرفض ونكران الذات.. ولولا الإيمان لتجرّع المسلم من نهر اليأس واستقال من محاولة إصلاح الحياة.
أنا واحدٌ من المسلمين، نظرتُ إلى هذا المشهد الأليم، وهالني ما عليه أمتي – وإنسانها – من حال حزين.. فقررت أن أتحمّل مسؤوليتي تجاه ذاتي ومَنْ أملك، وأُصلح ما يمكنني إصلاحه دون أن أنتظر شيئاً من خارج.
تلفتت حولي، ليس بحثاً عن فكرٍ إصلاحي؛ فالأفكار كثير، والنظريات مرصوصة على مدّ نظرِ العقول. ولكن بحثاً عن إنسان.. إنسان أصيل في بناء ذاته، ناجح في عمله ونجاحه ناتج كفاءاته وأخلاقياته، ويحسن إدارة حياته وحفظ أهله في خضم هذا الطوفان، منسجم مع محيطه الإنساني والطبيعي، مهتم بما يجري حوله من أحداث قريبة وبعيدة، وذلك علّني أسلك دربه، وأصلح ذاتي ومَنْ أملك.
لفت نظري زميلٌ في العمل، وأعجبني حاله الإنساني وواقعه الحياتي، رأيته قيمة إنسانية في ذاته وقامة اجتماعية في محيطه، فتقرّبت منه أخالطه.. وكلما ازددتُ به معرفةً زادت قناعتي بأنه يستند إلى ركنٍ ركينٍ يشدّه في ذاته وأهله وعمله ومجتمعه.. وبعد فترة من المخالطة سألته يوماً: من أنت؟
تبسّم وقد أدرك المغزى من سؤالي وقال: أنا إنسانٌ مسلمٌ اقتنعت بأن انتظام حياة المرء يجري وفق سنن إلهية ثابتة.. وكما أن الله سبحانه لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم، فهذه سنة إلهية في التغيير الإنساني، كذلك فإن ارتباط المسلم بشخص رسول الله e هو مفتاح كل خير للإنسان في ذاته وعائلته ومجتمعه وأمته، فهذه سنة إلهية ثابتة لضمان تماسك بناء الإنسان وواحدية الأمة (أمة واحدة)؛ والأدلة عليها كثيرة من القرآن الكريم والتعاليم النبوية وسير الصحابة الكرام ومن اتبعهم بإحسان.
وأنا منذ اتّبعت هذه السُنّة الإلهية وجعلت ارتباطي بشخصه e دافع حركتي وسكوني وأقوالي وأفعالي، تمكّنت من بناء ذاتي على أساس متين ومن جمع كيان عائلتي ومن الإسهام – في حدود طاقتي ومسؤوليتي – في إقامة بنيان مجتمعي وفي شدّ لحمة نسيج أمتي.. وهكذا فعندما تراني أو تخالطني فإنك ترى وتخالط “إنسان محمد” – صلى الله على سيدنا محمد.
أعجبني أن يكون هذا التمثّل الإنساني الجميل هو نتاج الإسلام الحنيف. وسألته لأعرف المزيد: أنت صاحب تجربة إنسانية ملفتة بأصالتها ومعاصرتها، وهذا بشهاداتي وشهادة الزملاء عندما نتحدث فيما بيننا، ولكن هل أنت صاحب الفكر الذي تولّدت عنه تجربتك الإنسانية؟ وهل هناك أمثالك من الذين أصلحوا دوائر وجودهم الإنساني الأربع بالارتباط بشخصه e؟
قال زميلي: أنا أنتسب إلى الأسرة الدندراوية، ومن خلال انتسابي تعلّمت أن لرسول الله e دورين في حياتي وحياة كل مسلم: دور الرسول الخاتم e ودور الزعيم الجامع e. ومعظم المسلمين في القرون الأخيرة ظلوا يقظين على الدور الأول حرّاساً على الرسالة المحمدية ملتزمين بإقامة إسلامهم في الوجدان، ولكنهم غفلوا عن الدور الثاني فلم يرتبطوا بشخص الزعيم الجامع للمسلمين e، فتهاوت قيمتهم في الوجود. وكان ما ترى اليوم من نجاح وفلاح لأفراد من الأمة ومن فشل وحال حزين لجمع الأمة.
:سألته على عجل: من هي الأسرة الأدندراوية، من أنتم؟ تبسّم وقال
– نحن “جمع مسلم” أراد مؤسسه أن يعكس في أعين أهل هذا العصر صورة أمة المسلمين بأعراقها الأربعة وعلى انتشار سكناها في جهات الأرض الأربع..
وذلك في زمن أصبح لفظ “أمة المسلمين” اسماً لا ينطبق على مسمى متحقق على الأرض.
– نحن “كيان اجتماعي” هو جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، وتتمثل فيه أطياف المجتمع كلها؛
على تعددها الطبقي وتنوعها الاجتماعي.
– نحن “أسرة” تآلفت بنيتها البشرية بفعل الانتساب المعنوي إلى مؤسس الأسرة الدندراوية، وصارت كالقبيلة الواحدة أو كالعائلة الواحدة، التي يسود بينها مناخ محبة وأخوة إنسانية ومساواة اجتماعية.
– نحن “محمديون” بمعنى أن كل واحد منا ارتبط بشخص رسول الله e – أو عزم على الارتباط. ويتحقق هذا الارتباط على مستويين: المستوى الأول يتعلق بصياغة الذات الإنسانية على الصورة الصفاتية للأسوة الكاملة للمسلمين صلوات الله عليه. والمستوى الثاني يتعلق بصناعة الأداء الإنساني بحيث يصبح المرتبط “إنسان أمة محمد” وصاحب تفاعل إيجابي في محيطه الفكري والاجتماعي والأممي والاقليمي (أو الجغرافي).
بهذه الصياغة للذات الإنسانية وبهذه الصناعة للأداء الإنساني، يبنى الواحد من المسلمين ذاته، ويؤالف عائلته، ويماسك مجتمعه، ويلاحم أمته.
– نحن أصحاب حراك إنساني رباعي الأنشطة: النشاط الأول يتعلق ببناء الإنسان بتمكينه من اكتساب تكوينه المحمدي ليصبح صاحب مسيرة ذاتية، لا في خاصة نفسه، ولكن في إطار الجمع الواحد. والنشاط الثاني يتعلق بالتنمية الإنسانية وتمكين الإنسان معرفياً وحياتياً. والنشاط الثالث يتعلق ببيان عظمة رسول الله e وكمالاته المحمدية، وأدواره في حياتنا وبعد مماتنا. والنشاط الرابع يتعلق بالدفاع عن الأعتاب المحمدية في مقابل كل افتراء، والبرهنة لكل مسلم على العصمة المحمدية المطلقة، وعلى جدوى التوسل بالنبي الأمي e إلى الله سبحانه، والاستغاثة بجنابه العالي.