الفكر الدندراوي

   الإِسْلَامُ حَيَاتُنَا والسَّلَامُ مَعَاشُنَا    نحن نَعْلَمُ بالسياسة ولا نَعْمَلُ بالسياسة    حَرْبُنَا مَعَ أَعْدَاءِ الوَحْدَانِيَّةِ مَيْدَانُهَا الفِكْرُ وسِلَاحُهَا الكَلِمَةُ   جِهَادُنَا اجْتِهادٌ فِي العِلْمِ وجَهْدٌفِي العَمَلِ

الوثيقةُ البيضاءُ
الكتابُ الأوَّلُ
الأُسْرَةُ الدَّنْدَراويَّةُ.. تَكوِينٌ… وكِيانٌ

رؤية تسجيلية بقلم
الفضل بن العباس آل الدنداروي
أمير قبائل وعائلات الأسرة الدندراوية

3

بسم الله الرحمن الرحيم

5

الاستفتاحُ

7

“الحمدُ للهِ بجميعِ مَحامدِهِ كلِّها ما علمتُ مِنها ومَا لَمْ أعلمْ.. على جميعِ نعمِهِ كلِّها ما علمتُ مِنها ومَا لَمْ أعلمْ.. عددَ خَلقِهِ كلِّهم ما علمتُ مِنْهُم و مَا لَمْ أعلمْ “.
” المَحامدُ مِنْ أورادِ سيِّدي أحمدَ بنِ إدريسَ “
وصَلاةُ ربِّي وسلامُهُ على الرَّسولِ الخَاتـِمِ للإسْلامِ… والزَّعيمِ الْجامِعِ للمسلمينَ.
ورِضوانُ ربِّي وسَلامُهُ على جَميعِ أهلِ بيْتِ النُّبوَّةِ الطَّاهِرينَ… وعلى جَمْعِ الصَّحابةِ الفائزينَ… وعلى مَجْمَعِ الفُقهاءِ الصَّالِحينَ والعُلماءِ العارِفينَ والوُجَهاءِ التَّابِعينَ.. الذين كانُوا بتكوِينِهمُ الْمحمَّديِّ سادةَ العالمينَ .
وغُفرانُ رَبِّي وسَلامُهُ على كُلِّ مُؤْمِنٍ حَقَّقَ بِمُكَوِّنَاتِهِ الذَّاتيَّةِ وبِمَرئيَّاتِهِ الشَّخصيَّةِ تكوِينَهُ الْمحمَّديَّ.. فأَظْهرَ بِإِنْسانِهِ عَلياءَ الإِسْلامِ… وعَلاءَ الْمسلمينَ.

9

هذا الكِتابُ

11

هذا الكِتابُ.. هوَ الكتابُ الأَوَّلُ مِنْ وثيقتِنا البَيْضاءِ.. وقدْ تَمَّتْ كِتابتُهُ في العامِ الحادي والعشرين وأربعِ مئةٍ وألفٍ مِنَ الهجرةِ.. حيثُ تَمَّ تحريرُهُ على أَربعةِ فُصُولٍ:
الفصلُ الأوَّلُ: التَّمْهيدُ والتَّعريفُ.
الفصلُ الثَّاني: الإِصْلاحُ والْمُصلِحونَ.
الفصلُ الثَّالثُ: تَوْصيفُ الدَّاءِ ووَصفُ الدَّواءِ.
الفصلُ الرَّابعُ: التَّأْسِيسُ والأَسَاسُ.
ولقدْ جاءَ كتابُ: ” الأُسرةُ الدَّنْدَرَاوِيَّةُ تكوِينٌ وكِيانٌ ” على شَكلِ وثيقةٍ بيضاءَ.
وثيقةٌ.. لأنَّ كلَّ كلمةٍ فيها وَردَتْ بِنصٍّ لا يَجوزُ تَبديلُهُ بِعبارةِ تَصْريحٍ تُبدِّلُ مَضْمونَها أو تَفسيرُهُ بِتعبيرِ تَلْميحٍ يُغيِّرُ مَقصودَها.
وبيضاءُ.. لأنَّ كلَّ جُملةٍ فيها خاليةٌ مِنْ أَيِّ غَرَضٍ خَفِيٍّ يَحمِلُ الإِساءةَ أو يُضمِرُ السَّيِّئةَ.. فجميعُ جُملِها – جُملةً وتَفصيلاً – ناصِعةٌ كلِماتُها… واضِحَةٌ مَعانيها.. تَتَحدَّثُ عَـنْ جَـمْـعٍ مُسلِمٍ تَأَسَّسَ منذُ قَرنٍ ونَيِّفٍ مِنَ السِّنينَ للإِسْهامِ في عِلاجِ أَسبابِ التَّنازُعِ ومُسَبِّباتِ الفشَلِ عِندَ غالبيَّةِ الْموحِّدينَ التي انشغلَ بِها العَديدُ مِنَ الْمُصلحينَ . ونَسأَلُ اللهَ ربَّ العالَمينَ أنْ يكونَ هذا الكتابُ دَليلاً لِكلِّ مَنْ يَبحثُ عَنْ كيفيَّةٍ لإِنْقاذِ الإِسْلامِ ممَّا أَصابَ أَكثرَ الْمسلمينَ

13

قَولةُ صِدقٍ..
إِنَّ وثيقَتَنا البيضاءَ لَيْستْ بِمنشورِ إِعْلانٍ ولا بِنشرةِ إِعْلامٍ.. فكلُّ ما في الأَمْرِ أَنَّها وُرَيْقاتٌ تُجيبُ الْمتسائلينَ عَنْ أَحْوالِنا مِنَ الْمحيطينَ بِساحاتِنا في عَددٍ مِنْ أَوطانِ جُموعِنا.. وعليْهِ: فإنَّني آمُلُ مِنْ كُلِّ مُطَّلعٍ على هذهِ الوثيقةِ وَوَجدَ فيها لفظاً غَيرَ مُسْتحبٍّ أو وَجَدَ جُملةً لَمْ تَصِلْ بِمعناها إلى الْمقْصودِ.. أَنْ يَعودَ بالْخطأِ على عاتقِ مُحرِّرِها الْمعروفِ بِموقعِهِ عندَ بَنِي قَومِهِ بأَميرِ قَبائلِ وعائلاتِ الأُسرةِ الدَّندراوِيَّةِ:
الدَّندراوِيُّ الثَّـالـثُ الـفـضـلُ بـنُ العبَّـاسِ وشهـرتُـهُ “سموُّ الأَميرِ” وهوَ الْمُحتاجُ إلى عفوِ ربِّهِ العليِّ القَديرِ.
أَمَّا إِنْ وَجدَ فيها صَواباً فَلْيردَّ صَوابَ الكَلمةِ إلى أَبي الْحبيبِ.. الدَّندراوِيِّ الثَّاني سيِّدِنا العبَّاسِ الشَّهيرِ بـ “الإِمامِ” – رِضوانُ اللهِ عليْهِ – الذي علَّمَنا أَنْ يَرُدَّ فَضلَ عِلمِهِ إلى أَبيهِ الْحبيبِ.. الدَّندراويِّ الأوَّلِ سيِّدي مُحمَّدٍ الْمشهورِ بـ “السُّلطانِ” – عليهِ مِنَ اللهِ الرِّضْوانُ.
وسُبحانَ الذي عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لمْ يَعْلَمْ سَواءٌ أَكانَ بِعلمِ البَيانِ أَمْ بِعلمِ القَلمِ.

14

الإهداءُ

إِليكَ و إِليكِ.. يا كُلَّ جَدٍّ وجَدَّةٍ… و يا كُلَّ أَبٍ وأُمٍّ… وياكُلَّ أَخٍ و أُختٍ… و ياكُلَّ ابنٍ وابْنةٍ في قَبائلِ وعائلاتِ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ على انتشارِ جُموعِ سَاحاتِهَا.. أُهْدِي إِليكُم بِكلِّ الحُبِّ والتَّكريمِ الكتابَ الأَوَّلَ مِنْ وثيقتِنا البيضاءِ ليكونَ لي ولَكمْ مَسارَ الطَّريقِ.. ذلكُمُ الطَّريقُ الذي جَمَعَنا عليهِ مُؤسِّسُ جَمْعِنا الْمسلمِ.. الدَّندراويُّ الأوَّلُ سيِّدي مُحمَّدٌ السُّلطانُ – عليهِ مِنَ اللهِ الرِّضْوانُ – ثُمَّ سارَ بِنا عليهِ مِنْ بعدِهِ وَلَدُهُ الدَّندراويُّ الثَّانِي سيِّدُنا العباسُ الإِمامُ – رِضوانُ اللهِ عليهِ – وكيفَ لا يَكونُ كتابُنا هذا مَسارَ طَريقِنا وقدْ جاءَ فيهِ أَساسُ تَكْوِينِنا الْمحمَّديِّ… وتَأْسِيسُ كِيانِنا الدَّندراويِّ.

جَعلَني اللهُ وإِيَّاكمْ مِنَ الذينَ يَستمِعونَ القولَ فَيَتَّبِعونَ أَحْسنَهُ.. حتَّى نَكونَ ممَّنْ جاءَ وَصْفُهم في القُرآنِ المَجيدِ :

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً *} اللَّهُمَّ آمِينَ.

أخوكمُ

الدَّندراويُّ الثَّالثُ – الفضلُ بنُ العبَّاسِ آلُ الدَّندراويِّ

أميرُ قبائلِ وعائلاتِ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ

15

التَّمهيدُ

 

17

 يَتساءَلُ الكثيرونَ عَنِ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ.. وأكثرُ هَؤلاءِ المتسائلينَ ممَّنْ سَبَقَ بحُكمِهِ علينا قبلَ أنْ يَستوثِقَ مِنْ أَمْرِنَا فَتَضارَبَ القَولُ حَولَ حَقيقةِ جَمْعِنَا.

لذَا.. أَصْدرَ الْمؤتمرُ العامُّ للأُسرةِ الدَّندراويَّةِ الْمنْعَقِدُ بِدندرةَ عامَ تسعةٍ وتسعين وثلاثِ مئةٍ وألفٍ مِنَ الهِجرةِ قَراراً بِتَكليفِ أَميرِها لِتَحريرِ وَثِيقةٍ بَيْضاءَ.. يُسجِّلُ بِكلماتِها كلَّ شيءٍ عنْ تكوِينِنا الْمحمَّديِّ… وكِيانِنا الدَّندراويِّ.

فاستناداً إلى أَمْرِ مَنْ لا أملِكُ أنْ أعْصِيَ لهم أمراً.. استخرْتُ اللهَ الجَليلَ الأعْلى أَنْ أَكتُبَ الوَثيقةَ البيضاءَ على نَسَقِ تَسجيلِ رُؤيةٍ لا تَأْليفَ فيهِ.. وجَعلْتُها – تَماماً للفائدةِ – على أَربعةِ كُتبٍ:

الكتابُ الأوَّلُ أَسميْتُهُ: “الأُسرةُ الدَّندراويَّةُ.. تكوِينٌ وكِيانٌ” والقصدُ منْهُ التَّعريفُ بالأُسرةِ الدَّندراويَّةِ وسَببُ نَشْأَتِها وبِدايةُ هذهِ النَّشأَةِ على يَدِ مُؤسِّسِها جَدِّ انتسابِها الْمعنَوِيِّ سيِّدي مُحمَّدٍ الدَّندراويِّ مِنْ أَحْفادِ السُّلطانِ اليوسفِ جَدِّ قَبائلِ ” الأَمَارةِ ” بِدندرةَ مِنْ وَلدِ الشَّريفِ إدريسَ الأوَّلِ مُؤسِّسِ دَولةِ الأَدارِسةِ بالْمغربِ العَربيِّ سِبْطِ الإِمامِ الْحسنِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ.

19

والكتابُ الثَّاني أَسْميتُهُ.. ” الفِكرُ الدَّندراويُّ.. رَأْيٌ ورُؤيَةٌ ” ولقدْ ضمَّنتُهُ الْمعتقداتِ الإِيمانيَّةَ والنَّواحِيَ الْحَياتيَّةَ التي تعلَّمْناها مِنَ الوالدِ الرُّوحيِّ لأُسرَتِنا الدَّندراويَّةِ سيِّدِنا العبَّاسِ الْمُكَنَّى بـ “عبدِ اللهِ أبي العبَّاسِ” والتي تَلقَّاها رِضوانُ اللهِ عليهِ عَنْ أَبيهِ سيِّدي محمَّدٍ السُّلطانِ – عليهِ منَ اللهِ الرِّضوانُ.

والكتابُ الثَّالثُ أَسْميتُهُ:” الأُسْلوبُ الدَّندراوِيُّ للبِناءِ الإِنْسانيِّ ” والقصدُ منهُ إِيضاحُ الأُسْلوبِ الْمُتَّبعِ في بِناءِ إِنْسانِ كِيانِنا الاجتماعيِّ الذي أَبَانهُ سيِّدُنا العبَّاسُ الدَّندراويُّ رضوانُ اللهِ عليه.

أمَّا الكتابُ الرَّابعُ: فقدْ خَصَّصتُهُ لِتَدْوِينِ السِّيرةِ الذَّاتيَّةِ للسُّلطانِ الدَّندراويِّ الأوَّلِ… ولاِبْنهِ الإِمامِ الدَّندراويِّ الثَّاني وغيْرِها ممَّا هوَ مِنَ الضَّرورَةِ تَسجيلُهُ وأَسْميتُهُ: ” أَعمالٌ لها رِجالٌ ” والقَصدُ مِنْ هذا التَّدْوِينِ هوَ حِمايةُ تَأْسيسِ كِيانِ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ وأَهْدافِ هذا التَّأْسيسِ مِنْ كلِّ ما يُفْتَرى على دندراويِّنا الأوَّلِ ودندراويِّنا الثَّاني مِنْ أَقْوالٍ غيرِ مَسؤولَةٍ أَطْلقَها قائلوها إمَّا مَدْحاً… وإمَّا قَدْحاً.

20

 ولِيكونَ التَّسْجيلُ خالِصاً مِنْ أَيِّ نَزْعةٍ ذَاتِيَّةٍ ولا يكونَ مُتأَثِّراً بِوِجهَةِ نَظرٍ شَخصيَّةٍ.. قُمْتُ بِصياغةِ الوثيقةِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ بِعِدَّةِ صِيغاتِ لأَعْرِضَها على جَميعِ قَبائلِنا وعائلاتِنا.. رِجالاً ونِساءً ـ شِيباً وشَباباً.. وذلكَ للتَّأَكُّدِ بِشكلٍ قاطعٍ مِنْ أنَّ ما أُسجِّلُهُ في وثيقتِنا البيضاءِ – بِكتبِها الأَربعةِ – إِنَّما هوَ ما يَعِيهِ عقلُ كُلِّ دندراويٍّ وتَستوعبُهُ عَقِيدتُهُ.. مهما تَباينَ مِكْيَالُ إعْقالِهِمْ وتَفَاوَتَ اتِّكالُ اعْتِقادِهِمْ.

وهنا لَزمَ التَّنْبِيهُ على أَنَّ كافَّةَ تِلكَ النُّسَخِ الَّتي جَرَى تَوزيعُها لأيِّ كتابٍ مِنْ كُتبِ وَثِيقتِنا البيضاءِ قَبْلَ إِصْدارِ كتابِها أَصْبحتْ لاغيةً ولا يُعتدُّ بِها لانتهاءِ الْمَقصِدِ مِنْ تَوْزِيعِها.

فباللهِ أَسْتعينُ… وبِنورِ سِراجِهِ الْمنيرِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَسْتنيرُ لِتحريرِ وثيقتِنا البيضاءِ بكتبِها الأَربعةِ على نَحوٍ يَجدُ فيهِ الْمتسائلونَ عَنْ حَقيقتِنا جَوابَ السُّؤالِ.

قَالةُ حَقٍّ.. قَبلَ الحَديثِ عَنِ التَّكوِينِ والكِيانِ.. عليْنا أَنْ نَقولَ بِثابتِ الإيمانِ: إِنَّ قِيَامَ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ قدْ جاءَ مِنَ اللهِ مَجيءَ مَشيئةٍ… وتآلَفَتْ بُنْيَتُهَا بإرادتِهِ تَآلُفَ قُدْرَةٍ.. فَكلُّ شَيءٍ كائنٍ أو يكونُ.. مَرْهُونٌ بِمشِيئَتِهِ.. مُقيَّدٌ بِإرادتِهِ جَلَّ عُلاهُ.. فالْحمدُ للهِ على ما كَانَ… ونَسألُهُ جَلَّ عُلاهُ خَيرَ ما يَكونُ.

21

التَّعريفُ

بالأسْرةِ الدَّنْدَرَاويَّةِ

23

الاسمُ والمُسَمَّى

منذُ أَنْ تَأَسَّستِ الأُسرةُ الدَّندراويَّةُ في عامِ اثنينِ وتِسعينَ ومِئَتينِ وألفٍ مِنَ الْهجرةِ.. وهيَ تَحملُ عَدداً مِنَ الأَسماءِ تَتَبدَّلُ منْ مكانٍ لآخَرَ.. وذلكَ على حَسْبِ ما تُبديهِ أَحْوالُ جُموعِ ساحاتِها في أَعْيُنِ مُحِبِّيها أو حُسَّادِها.

منذُ أَنْ تَأَسَّستِ الأُسرةُ الدَّندراويَّةُ في عامِ اثنينِ وتِسعينَ ومِئَتينِ وألفٍ مِنَ الْهجرةِ.. وهيَ تَحملُ عَدداً مِنَ الأَسماءِ تَتَبدَّلُ منْ مكانٍ لآخَرَ.. وذلكَ على حَسْبِ ما تُبديهِ أَحْوالُ جُموعِ ساحاتِها في أَعْيُنِ مُحِبِّيها أو حُسَّادِها.

ذلكَ أنَّهُ مَنْ رآنا نتمسَّكُ بالْمذاهبِ الْشَّرعِيَّةِ تمسُّكَ شُيوخِ الوَعظِ والتَّعليمِ أَهلِ السَّلفيَّةِ.. ظَنَّ أنَّنا تَجمُّعُ دَعوةٍ سَلفيَّةٍ جَديدةٍ فَأَسْمانا ” الجَماعةَ السَّلفيَّةَ أَتْباعَ السَّادةِ الدَّندراويَّةِ ” نِسبةً لآلِ الدَّندراويِّ بِدَنْدَرَةَ.

ومَنْ رآنا نَتمسَّكُ بالْمشاربِ الذَّوْقِيَّةِ تَمسُّكَ أَقْطابِ التَّهذيبِ والإِرشادِ أَهلِ الصُّوفِيَّةِ.. رأى أَنَّنا تَجمُّعُ طَريقةٍ صُوفيَّةٍ حَديثةٍ فأَسْمانا باسمِ ” مُريدي الطَّريقةِ الأَحْمديَّةِ ” نِسبةً إلى نهرِ الْمشْربِ الذَّوقيِّ لأَكْثَرِنا الْمنسوبِ للعالمِ الصُّوفيِّ الْجَليلِ سيِّدي أَحْمدَ بنِ إدريسَ – رضيَ اللهُ عنهُ.

مِثلمَا أسْمانا البَعضُ في بلادٍ أُخْرى باسمِ ” مُريدي الطَّريقةِ الرَّشِيديَّةِ ” نِسبةً إلى مَنْ نَهَلَ عنهُ غالبيَّتُنا مَشْربَهمُ الأَحْمَديَّ.. سيِّدي إبراهيمَ الرَّشيدِ – أَحْسنَ اللهُ إليهِ برضاهُ .

25

وبالرَّغمِ مِنِ ابتعادِنا في جَميعِ بِلادِنا عَنْ رَسْمِيَّاتِ التَّعاونِيَّاتِ فإِنَّ تَعلُّقَنا بالتَّعاونِ الاجتماعيِّ داخِلَ مُجتمعاتِنا أَكْسبَنا عِندَ البَعضِ اسمَ ” جَمعيَّةِ أَبناءِ العبَّاسِ ” نِسبةً إلى مُبيِّنِ أُسْلوبِ بِناءِ إِنْسانِنا… والوالدِ الرُّوحيِّ لقبائلِنا وعائلاتِنا.. الدَّندراويِّ الثَّاني سيِّدِنا العبَّاسِ الإِمامِ – رِضوانُ اللهِ عليهِ.

وعلى الرَّغمِ مِنِ ابتعادِ كِيانِنا الدَّندراويِّ على مُستوَى الْجُموعِ عَنْ مُمارسةِ النِّضَالِ السِّياسيِّ في أَيِّ وَطنٍ مِنَ الأَوطانِ فإِنَّ التزامَنا بِوَحْدَةِ الصَّفِّ وبانسجامِ الْحَركةِ الوَاحدةِ على مَدَى انتشارِ جُموعِ ساحاتِنا أَسْمانا عندَ الكثيرِ باسمِ ” رِجالِ الدَّندراويِّ ” نِسبةً إلى مُؤسِّسِ كِيانِنا والْجَدِّ الْمعنويِّ لانتسابِنا.. الدَّندراويِّ الأوَّلِ سيِّدي مُحمَّدٍ السُّلطانِ – عليهِ مِنَ اللهِ الرِّضوانُ.

لمَّا جَرَّدتْ تِلكَ الأَسْماءُ جَميعُها جَمْعَنَا الْمسلِمَ مِنْ هُوِيَّةِ تكوينِهِ الْمحمَّديِّ… وغيَّرَتْ مِنْ مَلامِحِ كِيانِهِ الدَّندراويِّ.. استقرَّ قَرارُنا جَميعاً في عامِ ثلاثةٍ وتسعينَ وثلاثِ مئةٍ وألفٍ مِنَ الْهجرةِ.. على أنْ نتَّخذَ لأَنْفسِنا اسماً مُشْتقَّاً مِنْ هُوِيَّةِ تكوِينِنا ومِنْ ملامِحِ كِيانِنا.. فكانَ الاسمُ الْمختارُ:

(جَمْعُ إنسانِ محمَّدٍ – الأسرةُ الدَّندراويَّةُ)

 وبِهذا الاسمِ يَعرِفُ أَهلُ كُلِّ الأَمْصارِ في كافَّةِ الأَقْطارِ أَنَّنا جُزءٌ مِنْ مُجْتَمعاتِ الإسلامِ:

مُحمَّديُّ التَّكْوينِ… دَندراويُّ الكِيَانِ

26

الإصْلاحُ.. والمُصلِحونَ

27

نَظرةٌ على الشَّارعِ الإسْلاميِّ

ما مِنْ مُسْلمٍ يَهتمُّ بِأمرِ الْمسلمينَ إلاَّ سَاءلَ نَفسَهُ أو سَألَ غيرَهُ عنْ هذا الذي يَجري على أجيالِ خَيرِ الأُمَمِ.. يَعيشُ مُسلمُها عُصورَهُ وقدْ أَنْهكَهُ الْهَوَانُ… وأَضْنَتْهُ الْمهانَةُ.

وفي النِّصفِ الثَّاني للقرنِ الثَّالثَ عَشرَ مِنَ الْهجرةِ.. ومِنْ أرضِ قَريتِهِ دَندرةَ في جَنوبِ صعيدِ مِصْرَ.. بَدأَ مُؤسِّسُ الأُسرةِ الدَّندراويَّةِ الدَّندراويُّ الأوَّلُ سيِّدِي مُحمَّدٌ السُّلطانُ.. كوَاحدٍ مِنَ الْمصلِحينَ..تَرحالَهُ في بِلادِ أَهلِ التَّوحيدِ لَعلَّهُ يَجدُ بينَ الْموحِّدينَ مَنْ وَجدَ تَفسيراً للحالِ الْحَزينِ.. واتَّخذَ خُطاهُ لِعلاجِ ذلكَ البلاءِ الْمُهينِ.

انطلاقاً مِنْ قَناعةِ السُّلطانِ الدَّندراويِّ الأوَّلِ بِأنَّ الإِسْلامَ لنْ يَفْقِدَ رِجالَهُ الْمخلَصينَ.. فَعالمُ الْمسلمينَ مَليءٌ بالْمصلِحينَ مِنْ خِيارِ الصَّالِحينَ.. نَظرَ عليه منَ اللهِ الرِّضْوانُ إلى الشَّارعِ الإسْلاميِّ في عَديدٍ مِنْ أَوطانِهِ.. فَشاهدَ أَربعَ طَوائِفَ إِصْلاحيَّةٍ.. انفردَتْ كلٌّ منها بِتصوُّرٍ لِمَا أَصَابَ إِنْسانَ أَوْسَطِ الأُمَمِ… وتَخصَّصَتْ بِكيفيَّةٍ لِتَشْفِيَهُ مِنْ أَلِيمِ السَّقَمِ:

29

الطَّائفةُ الأولى: همُ الذينَ تَصوَّرُوا أنَّ الدَّاءَ في تَقاعسِ الْمسلمينَ – إلاَّ قليلاً ـ عَنِ الالْتزامِ بِأُمورِ دِينِهِم.. وعِلاجُ هذا الدَّاءِ عندَهُم هوَ تقيُّدُ الْموحِّدينَ بِشريعةِ الدِّينِ.. فأَنْشأُوا الْمدارسَ الشَّرعيَّةَ لِيَتعلَّمَ فيها الْمسلمونَ أَحْكامَ العِبادةِ والْمعاملاتِ على مَذاهبِ الشَّريعةِ الأَربعةِ.. فامْتَازَتْ هذِهِ الطَّائفةُ باسمِ ” الْمذاهبِ السَّلفيَّةِ “… وتَميَّزَ مُؤسِّسُوهَا باسْمِ ” فُقهاءِ الدِّينِ شُيوخِ الوَعْظِ والتَّعليمِ “.

الطَّائفةُ الثَّانِيَةُ: هُمُ الَّذينَ تَصوَّرُوا أَنَّ الدَّاءَ في تَهاونِ كثيرٍ منَ الْمسلمينَ عَنِ التَّقيُّدِ بِخُلُقِ الإِسْلامِ.. والعِلاجُ عِنْدهمْ هوَ التزامُ الْمُؤمنينَ بآدابِ الأوَّلينَ.. فأنْشأُوا الزَّوايَا الصُّوفيَّةَ التي تُكسِبُ الْمسلمينَ التَّربِيَةَ النَّبويَّةَ.. فعُرِفَتْ هذهِ الطَّائفةُ باسْمِ “الطُّرقِ الصُّوفيَّةِ”… وعُرِفَ مُؤسِّسُوها بِأَنَّهمُ “العَارِفونَ باللهِ أَرْبابُ التَّهْذيبِ والإِرْشادِ”. أمَّا الطَّائفةُ الثَّالثةُ: فهمُ الذينَ تَصوَّرُوا أنَّ الدَّاءَ يَكمُنُ في ترْكِ أَكثرِ الْمسلمينَ التَّعاونَ داخلَ مُجتمعاتِهم بِأَفْعالِ الْمساعَداتِ الاجتماعيَّةِ.. وعِلاجُ هذا الدَّاءِ عِنْدهُم هوَ قِيامُ الْمُوسِرينَ بإعانَةِ الْمُحتاجِينَ في كلِّ مكانٍ.. فَكَوَّنُوا الْجمْعِيَّاتِ الاجتماعِيَّةَ في كافَّةِ البُلدانِ.. فَتَسَمَّتْ هذِهِ الطَّائفةُ في بُلدانِها بالْجَمعيَّاتِ الْخَيرِيَّةِ… وسُمِّيَ مُؤسِّسُوها “رُوادَ الأَفعالِ الاجْتِماعِيَّةِ”.

30

وأمَّا الطَّائفةُ الرَّابعةُ: فهمُ الذينَ تَصوَّروا أنَّ الدَّاءَ يَنحصِرُ في عُزوفِ الْمسلمينَ – إلاَّ القليلَ – عَنِ التَّواصُلِ بِقوميَّاتِهم عَبرَ أَوطانِهم.. والعِلاجُ عندهُم هوَ عَودَةُ الْمسلمينَ لِذاكَ التَّواصُلِ في كُلِّ الأَمْصارِ.. فَكَوَّنُوا التَّنْظيماتِ الوَطنيَّةَ لِتَواصُلاتِهمُ القَوميَّةِ لِتَلاحُمِ أُمَّتِهمْ عَبرَ الأَقطارِ.. فَتَسَمَّتْ هذِهِ الطَّائفةُ في أَوطانِها بِأسماءٍ مَحليَّةٍ… وسُمِّيَ مؤسِّسوها بِرؤساءِ التَّنْظيماتِ الوَطنيَّةِ.

بعدَ أَنْ ظَهَرَتْ في الشَّارعِ الإِسْلاميِّ هذهِ الطَّوائفُ الْمتَخصِّصَةُ الأَربعُ مِنْ خِلالِ إِعْلانِها تَصَوُّرَهَا لِمُصابِ البَلاءِ… وممارسَتِها كَيْفِيَّةَ عِلاجِهَا لِلدَّاءِ.. تَوزَّعَ أَكثرُ أَهلِ التَّوْحيدِ إلى تَجمُّعاتٍ أَربعةٍ.. إذْ صارَ الْمسلِمُ مُنجذِباً إلى الطَّائفةِ التي أَقْنعَهُ تَصوُّرُ تَشْخِيصِهَا… وأَعْجبَهُ كَيْفِيَّةُ عِلاجِها.. فاختصَّ أَفْرادُ كلِّ تَجمُّعٍ مِنْها بلَقبٍ يُعرَفونَ بهِ:

فمَنْ تَتَلمذُوا على أَيْدِي شُيوخِ الوَعظِ والتَّعليمِ.. الْتصقَ بِهمْ لَقَبُ “السُّنِّيَّة” أوِ “الشَّرعيِّونَ أَتْباعُ الْمذاهبِ السَّلفيَّةِ”.

ومَنْ جَلسُوا بينَ أَيْدِي أَربابِ التَّهذيبِ والإِرشادِ.. حَمَلُوا لَقبَ “الصُّوفيِّة” أوِ “الأَحْبابُ مُريدو الطُّرقِ الصُّوفيَّةِ”.

أمَّا مَنْ تَعاوَنوا على الأَفعالِ الْخَيريَّةِ.. فهمُ الْمُلقَّبونَ في جَميعِ البُلدانِ بِلقبِ ” أَعْضاء الْجَمعيَّاتِ الْخيرِيَّةِ “.

31

وأمّا مَنْ شاركُوا في التَّواصُلاتِ القَوميَّةِ.. فقدْ لُقِّبوا في كلِّ الأَوْطانِ بِلقبِ ” مُناضِلو التَّنْظيماتِ الوَطنيَّةِ “.

بعدَ أَنْ تَوَزَّعَ السَّوَادُ الأَعظمُ مِنْ أَهلِ الإِسْلامِ على أَرْبعِ طَوائفَ مُتَخَصِّصَةٍ.. مُتَشابهةٍ في الغَايةِ مُتغايرةٍ في كَيفيَّةِ الوُصُولِ إليها.. فَنَتيجةً لِهذا التَّغايُرِ.. انْدَسَّ في مَوقعِ كلِّ طائفةٍ منها طُغمةٌ فاسِدةٌ لِتُجْهِضَ – عَنْ قَصدٍ أو عَنْ غَيرِهِ.. جَهْدَ هذهِ الطَّوائفِ الذي تَجمَّعَتْ مِنْ أَجْلِهِ.. فانْقسمتْ بِذلكَ طَوائفُ الشَّارعِ الإِسْلاميِّ الْمُتَخَصِّصَةُ على فَرِيقينِ:

فَريقٌ أَحْسَنَ النِّيَّةَ فعَمِلَ بِعملِ أَهْلِ الفرقَانِ.

وفَريقٌ أَسَاءَ النِّيَّةَ فعَمِلَ بِعملِ أَهْلِ البُهْتَانِ.

فطائفةُ السَّلفيَّةِ قدْ تَقاسمَها فَريقانِ:

فَريقٌ دَعا أَهلَ التَّوحيدِ إلى التَّمسُّكِ بالْمذاهِبِ الشَّرعيَّةِ بِسماحةٍ وحُسْنِ أَداءٍ.. وهمْ تَجمُّعاتُ الْمذاهبِ السَّلفيَّةِ.

وفَريقٌ غَيْرُهُ دَعا أَهلَ التَّوحيدِ إلى الغُلُوِّ في أُمورِ الدِّينِ والتَّغالِي في شُؤونِ الدُّنيا بِمَا يُخالفُ سُنَّةَ سيِّدِ الْموحِّدينَ وتَأْباهُ أُسْوةُ زَعيمِ الْمسلمينَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.. وهمْ مَجموعاتُ الذَّوَاهبِ الْمُتسلِّفةِ.

32

تجربة

33