التنمية الإنسانية من منظور دندراوي

   الإِسْلَامُ حَيَاتُنَا والسَّلَامُ مَعَاشُنَا    نحن نَعْلَمُ بالسياسة ولا نَعْمَلُ بالسياسة    حَرْبُنَا مَعَ أَعْدَاءِ الوَحْدَانِيَّةِ مَيْدَانُهَا الفِكْرُ وسِلَاحُهَا الكَلِمَةُ   جِهَادُنَا اجْتِهادٌ فِي العِلْمِ وجَهْدٌفِي العَمَلِ

التنمية الإنسانية من منظور دندراوي

مقدمة: (حول معنى التنمية: لغوياً، واصطلاحاً).

بداية من المعنى اللغوي والفرق بين النمو الطبيعي والعفوي وبين التنمية التي هي نمو مدروس يحتاج إلى دفع قوة محركة خبيرة.

ثم نتدرج مع المعنى الاصطلاحي بحيث صارت التنمية هي عملية إكساب المجتمع قدرة على التطور الذاتي المستمر.. أو زيادة قدرته على الاستجابة للحاجات الأساسية.. أو رفع مستوى أبناء المجتمع: اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وثقافياً.. (لا يوجد اتفاق على معنى اصطلاحي واحد).

 

الفقرة الأولى.. التنمية من المنظور العالمي اليوم

  • اتجهت الحركة العالمية لتنمية المجتمعات نحو التخصص ضمن ميادين: تنمية اقتصادية، تنمية اجتماعية، تنمية قدرات معينة، تنمية مهارات معينة، تنمية معرفية…
  • الناتج -< تغيير حال الإنسان: من الجهل إلى العلم، من القوة إلى الضعف، من الفقر إلى الكفاية…

باختصار: تغيير حال الإنسان المادي: العلمي (تعليم، محو أمية…) والحياتي (ضمن منظومة حقوق أساسية: حق الزواج، إنشاء عائلة، حق العمل، حق العيش الكريم…).

  • إن الخلفية لهذه العمليات التنموية الدائرة في العالم ليست واحدة: فالبعض يحرّكه الإحساس بالواجب الإنساني والأخلاقي تجاه أخيه الإنسان (جيران في عالم واحد)، والبعض يختلط دافعه الإنساني بدوافع ربحية اقتصادية شخصية أو وطنية (مشاريع استثمار الثروات، المواد الأولية، اليد العاملة…)، وفئة تستشعر خطر تفشي ظواهر العنف والإرهاب نتيجة الفقر والجوع وانسداد الأفق والحرمان من الحقوق الأساسية (الحقوق -< أمني، أمن غذائي…)، والحريات العامة، فتنشئ برامج تنمية واسعة لتحسين الأوضاع المعيشية للناس.
  • نحن – كأسرة دندراوية – لسنا غرباء على هذه التنمية، بل نباركها.. لأنها تدفع حركة الإنسان في الوجود. ونحن نقول في أحد شعاراتنا: طمأنينة الإنسان على استمرار أمن سلامته: حصن كرامته. ويقينه من استقرار أمان رزقه: دفع حركته.
  • وكيف نهمش حركات التنمية الاقتصادية؟! ونحن نقول: العلم تقدُّم الحياة، والمال عصب الحياة.

 

الفقرة الثانية.. التنمية من منظور المفكرين والتنمويين المسلمين

  • أدرك هؤلاء أن عمليات التنمية الناشطة عالمياً هي في معظمها – إن لم يكن جميعها – متحيزة في نطاق متخصص. وبالتالي، فقد تتقدم التنمية في مجال أو مجالين ويظل الباقي على حاله، إن لم يتخلف. وأدركوا أن الناتج الفعلي لهذه العمليات لم يصل إلى تحقيق الوعود (في مواقع التنمية) من الأمن والاستقرار والرخاء والرفاهية.
  • ووصلوا إلى نتيجة أن عمليات التنمية الحالية لا تراعي خصوصية المجتمعات الإسلامية. فحاولوا إنشاء رؤية إسلامية للتنمية نابعة من مفاهيم الإسلام وتعاليمه الحياتية (قيم اقتصادية وتعاونية وخلقية وإنسانية…). وفي الوقت نفسه حرصوا على جعل التنمية شاملة تحيط بالإنسان من جميع جهاته وفي كافة الميادين (تنمية إحاطية: ثقافية، دينية، خلقية، عمرانية، معنية، بيئية…).
  • وفي جولة أفق على المشهد التنموي في البلدان العربية والإسلامية، على امتداد رقعتها الجغرافية، نرى العديد من الدراسات الجادة التي تؤسِّس – ربما – لمرحلة لاحقة.. أما على الصعيد الواقعي فلا يكاد المراقب يلمس أي تغيير حقيقي في تحسين الأوضاع المعيشية للإنسان (موضوع التنمية).

وحتى نكون منصفين، لا ننسى أن ننوّه ببعض التجارب الوطنية الناجحة في البلدان العربية أو الإسلامية عامة.

  • ونحن – كأسرة دندراوية – نقدّر هذه التجارب الناجحة، ونرى أنها تستلهم قيم الإسلام وتعاليمه لشدّ بنيان المجتمع الإسلامي، بحيث يصل الخير إلى فئات المجتمع كافة – كحق شرعي – وخاصة؛ للفقير والضعيف والمحروم واليتيم.

ونرى بأن هذه البرامج تستلهم الدور الأول لسيد البشر e في حياة إنسان أمته، وهو دور الرسول الخاتم الذي أقام به الله سبحانه الإسلام..

 

الفقرة الثالثة.. التنمية من منظور الفكر الدندراوي

  • دون إلغاء المنظورين السابقين، يذهب الفكر الدندراوي إلى أعمق من ذلك وأبعد، يحفر أكثر من عملية التنمية. فيبدأ من تنمية تكوين الإنسان.. يبدأ من داخل الإنسان لا من محيطه (تنمية ذاتية لا تنمية إحاطية).
  • في المنظورين السابقين: الإنسان هو محور التنمية.

في المنظور الدندراوي: الإنسان هو مادة التنمية وموضوعها.

  • حيث إن الإنسان هو مادة التنمية يصبح النهج التنموي الدندراوي يقوم على: التمكين بالتكوين، وليس فقط التمكين بامتلاك المهارات والقدرات (كما في الرؤيتين السابقتين للتنمية).
  • الأسئلة: ما هو التمكين بالتكوين؟ وكيف يتم؟ وما نتيجته؟
  • التمكين بالتكوين هو تمكين لذات الإنسان (وليس فقط لمهاراته وقدراته وعلاقاته).. نظرته إلى قيمته الذاتية، نظرة المجتمع إليه..
  • يقوم هذا التكوين التمكيني – من المنظور الدندراوي – على أساس جوهري، وهو الارتباط بشخص سيد البشر e.. الدور الثاني: سيد الوجدان وزعيم الوجود.

وباستعادة ما كنا عليه، نرى أن سيد البشر e ظل طوال 13 عاماً في مكة المكرمة يبني الإنسان المؤمن، وينمّي تكوينه بالفاعليات والتفاعلات ليصبح صلباً متماسكاً قادراً – في مرحلة لاحقة – على إنتاج تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهي مرحلة المدينة المنورة وما تلاها من انتشار للإسلام ومن إقامةٍ لمجتمعاته..

  • نلاحظ أن معظم رؤى المفكرين المسلمين للتنمية ينطلق من المرحلة الإحاطية (مرحلة المدينة المنورة والفتوحات) وربما يعتبر المرحلة التكوينية للأشخاص بمثابة الناتج والمحصل الطبيعي.. وقد أثبت الواقع أن الانطلاق من المرحلة الإحاطية يؤدي إلى بناءات هشة ومعرضة للانحسار والانحصار.
  • عندما يرتبط المسلم بشخص سيد البشر e ويحقق تنمية ذاته بالتكوين المحمدي، ويظل محافظاً على تكوينه المحمدي في مسيرة مسلمة مسالمة في دنيا البشر.. فلا يسقط عن تكوينه الإنساني المحمدي تحت ضغط ظرف قاهر أو وطأة إغراءٍ ساحر.

وهذا التكوين المحمدي مفصّل في كتب الأسرة الدندراوية، يعمل على تفعيل مكونات الذات بفاعليات راسخات، وعلى ضبط مرئيات مكونات الذات بتفاعلات شامخات. وهو تكوين مستمرّ مستدام = مسيرة.

  • إن الإنسان بعد تحقيق تكوينٍ إنسانيٍّ يتنامى بالارتباط بسيد البشر e، يتمكّن من بناء ذاته وعائلته ومجتمعه. وأيضاً من إنشاء علاقات سليمة مع كافة الناس، على اختلاف أعراقهم وطبقاتهم الاجتماعية وطوائفهم الفكرية ومذاهبهم ومشاربهم ودياناتهم.. وبخاصّة مع محيطه القريب من أقارب وجيران وزمالة عمل (مرآة إظهار).