أسئلة عامة

   الإِسْلَامُ حَيَاتُنَا والسَّلَامُ مَعَاشُنَا    نحن نَعْلَمُ بالسياسة ولا نَعْمَلُ بالسياسة    حَرْبُنَا مَعَ أَعْدَاءِ الوَحْدَانِيَّةِ مَيْدَانُهَا الفِكْرُ وسِلَاحُهَا الكَلِمَةُ   جِهَادُنَا اجْتِهادٌ فِي العِلْمِ وجَهْدٌفِي العَمَلِ
  • تأسّس الجمع المسلم المعروف باسم “الأسرة الدندراوية” عام 1292 من الهجرة الموافق لعام 1875 ميلادي.
  • مؤسس الأسرة الدندراوية هو السلطان الدندراويّ من أحفاد السلطان اليوسف جدّ قبائل “الأمارة” بدندرة. والسلطان اليوسف هو من وَلدِ الشريف إدريس الأول مؤسّس دولة الأدارسة بالمغرب العربي[1]، سبط الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ولد مؤسّس الأسرة الدندراوية السلطان محمد الدندراويّ في قرية دندرة من صعيد مصر حوالي عام 1835 ميلادي.. شاهد – عليه من الله الرضوان – منذ سنيّ حياته الأولى ما وصل إليه الإنسان المسلم وأمّة المسلمين من حالٍ متردٍّ حزين.. شاهد التباغض والتحاسد والتدابر والتقاطع بين من كانوا – بالأمس – إخوة متحابين، وشاهد الصراع الفكري والطبقي والعرقي والاقليمي بين من كانوا – بالأمس – متماسكين متلاحمين.

نهض – عليه من الله الرضوان – لتحمّل مسؤوليته بوصفه مهتم بشأن المسلمين  ، جاعلاً همّ عقله الرشيد التفكير في سبيلٍ للخروج من هذا المأزق الإنساني. فبدأ ترحاله في بلاد المسلمين للبحث عن مصلحين وجدوا تفسيراً للحال الحزين واتخذوا خطاهم لممارسة العلاج.

أمضى – عليه من الله الرضوان – أكثر من عشرين عاماً متتبعاً مقولات المصلحين، متفحّصاً أعمالهم وبرامجهم الإصلاحية وإنجازاتهم.. عسى أن يجد عند واحدٍ منهم – رؤية أو عملاً – يوافقان ما توصّل إليه من معرفةٍ بأصل الداء وكيفية الدواء، حتى ينضم إليه ليراكم جهده إلى جهده.

وعندما بلغ الأربعين من عمره الشريف في عام 1292 هـ الموافق لعام 1875 الميلاديّ، كان قد عاين المشهد الإصلاحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولم يجد ضالته عند واحد من أفراد المصلحين أو تجمعاتهم.. فأسّس جمعه المسلم.

وطوال اثنتين وثلاثين سنةً – بعد تأسيسه لجمعه المسلم – قصد ديار المسلمين في بلدانٍ قريبةٍ وبعيدةٍ، يباشر الإصلاح بنفسه، كما بعث علماء صالحين مصلحين إلى جموع المسلمين في بلدان الشرق الأقصى.

وفي عام 1907 ميلادي أنجز أعماله الإصلاحيّة التأسيسيّة، وانتقل إلي الرفيق الأعلى بالمدينة المنوّرة ووضع  بالبقيع ، تاركاً أمانة قيادة جمعه المسلم إلى ابنه الإمام العباس الدندراويّ، وباقياً ما بقيت الأسرة الدندراوية هو “الجدّ المعنويّ” لكل مسلمٍ انتسب إلى صفوف جمعه.

بعدما جهر السلطان الدندراوي بندائه الإصلاحي “عودوا لمحمّدكم تعدٍ لكم أمتكم” أسّس جمعاً مسلماً ليضمّ كافّة الذين اقتنعوا برؤيته الإصلاحيّة وعزموا على استعادة قيم الإسلام وقيمة المسلمين.

فلماذا اختار السلطان الدندراوي أن يؤسس جمعاً مسلماً لم يكتفِ بإعلان رؤيته الإصلاحيّة وبالدعوة إليها، وبكلام آخر لماذا أسّس السلطان الدندراوي جمع الأسرة الدندراويّة؟

نذكر أربعة مقاصد حقَّقها التأسيس:

المقصد الأول.. البرهنة بالملموس على صحة الرؤية الدندراويّة للإصلاح وإمكانيّة تحقيقها.

إن الرؤية الفكرية – لأي مصلح – مهما كانت منطقية ومؤصّلةً على نصوص قدسيّة معصومة عن الغلط والخطأ، إلا أنها تظل في أعين الناس عبارة عن “نظريات” محتملة التطبيق ومن الممكن – لا من الأكيد – أن تكون هي الدواء المناسب للواقع الأليم.

لذا، أسّس السلطان الدندراوي جمعه المسلم ليحمل معه مسؤولية البرهنة لكل المسلمين على أن أصل بلاء ما قد وصلنا إليه، هو تركنا لما كنا عليه من ارتباط بشخص سيد البشر محمد رسول الله ، وأن العودة لهذا الارتباط المتروك تعيد اللحمة إلى نسيج أمّة المسلمين وتستعيدها من التشتت.

المقصد الثاني.. إيجاد إطار بشري يضم كل من اقتنع بالرؤية الدندراوية للإصلاح.

لقد أدرك السلطان الدندراوي أنّ التصدّي لإصلاح حال أمّة المسلمين كلّها المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها هو عمل يتجاوز شروط العصر. لذا، جعل رؤيته الإصلاحيّة عامّة وموجهة لكافة المسلمين في العالم، أما عمله الإصلاحي فاختار أن يقوم به ضمن إطار جمع مسلم يضششم جزءاً من أمة المسلمين، وهم جميع الذين قرروا أن يلبّوا نداءه الإصلاحي.

وحيث إن الجماعات الإنسانيّة التي تتشارك قناعات واحدة معرضةٌ – في أحيان كثيرة – إلى التقوقع والانغلاق ورفض الآخر وإقصائه وعدم قبول التنوّع والتعدّد للجوهر الواحد، لذا فإنّ السلطان الدندراوي أراد من جمعه المسلم ألا ينغلق على نفسه بل أن يظلّ بابه مفتوحاً للناس، ليدخل منه من أراد من المسلمين وقتما يريد.

المقصد الثالث.. الإسهام في علاج الحال الحزين للمسلمين.

عديدون هم المصلحون الذين اكتفوا بالعمل الفكري فأنتجوا أفكارهم، وقاموا بالدعوة لارائهم، واجتهدوا في إقناع الناس – أو فئة من الناس – بها ليتبنوها وينطلقوا منها في عمل إصلاحي ميداني.

أما السلطان الدندراوي فإنّه بعد أن عيّن الداء ووصف الدواء أسّس جمعه المسلم ليساهم في علاج أسباب التنازع ومسببات الفشل عند غالبية المسلمين.

إذن، إنّ السلطان الدندراوي لم يكتفِ بتقديم المعرفة الصالحة تاركاً لمن يقتنع برؤيته مهمة التطبيق بل تقدّم بنفسه ليساهم من خلال جمعه المسلم في العمل الإصلاحي الميداني.

المقصد الرابع.. الدفاع عن شخص سيّد البشر محمد رسول الله.

أسّس السلطان الدندراوي جمعه المسلم ليكون في الشارع الإسلامي هو الجمع الذي يخصّ سيّد البشر محمد رسول الله ويحمل مسؤولية الدفاع عن ذاته النبويّة المتفرّدة في مواجهة الهجمات المتزايدة على شخصه وشخصيته صلوات الله عليه.

أسّس السلطان الدندراويّ نواة جمعه المسلم، المعروف باسم “الأسرة الدندراوية”، في قرية دندرة من صعيد مصر. ولذا، يُعتبر أهل قبائل الأمارة بدندرة ومعهم عائلات مسلميها بمثابة النواة للشجرة الإنسانيّة للأسرة الدندراوية.

ولكن لم ينحبس جمع الأسرة الدندراوية في قرية دندرة، بل لم تلبث جذور هذه الشجرة الإنسانيّة أن تمكّنت بغالبيّة قبائل جنوب الصعيد [محافظات قنا وأسوان والبحر الأحمر]، وتمّ استواء ساقها من العديد من عائلات مصر. ثم تفرّعت فروع هذه الشجرة على اتّساع الانتشار الإنسانيّ لأمّة المسلمين في بلاد شرقيّة وغربيّة.

عندما أسس السلطان الدندراويّ جمعه المسلم – في عام 1875 ميلادي – لم يطلق عليه اسماً. ولكن عندما ظهر هذا الجمع في الشارع الإسلاميّ وبدأت جموعُ  مراكز دندرة  تمارس نشاطاتها في بلدان انتشاره، أطلق عليه أهلُ كلّ مجتمعٍ اسماً اختلف من مكانٍ لآخر، بحسب ما تبديه جموع  مركز دندرة  في أعين محبّيها أو حسادها.

ومن الأسماء التي حملها الجمعُ المسلم الذي أسّسه السلطان الدندراوي: “الجماعة السلفيّة أتباع السادة الدندراويّة” – “مريدو الطريقة الأحمديّة” – “مريدو الطريقة الرشيديّة” – “جمعيّة أبناء العباس” – “رجال الدندراوي”.

وحيث إن هذه الأسماء كلّها لا تنطبق على الجمع المسلم الذي أسّسه السلطان الدندراوي، لذا ففي عام 1973م. استقرّ قرار سموّ الأمير الفضل بن العباس آل الدندراوي، أمير هذا الجمع المسلم، مع جميع المنتسبين إلى صفوفه، بأن يتّخذوا لأنفسهم اسماً مشتقّاً من هوية تكوينهم المحمديّ ومن ملامح كيانهم الدندراويّ. فكان الاسم المختار: جمع إنسان محمد – الأسرة الدندراوية.

وهذا الاسم المركّب من عبارتين: يدلّ بعبارته الأولى على هويّة التكوين المحمديّ. ويدلّ بعبارته الثانية على ملامح الكيان الدندراويّ. وكان ذلك عام 1393 من الهجرة الموافق لعام 1973 ميلادي، وهو العام الذي ظهر فيه اسم الأسرة الدندراوية.

عرف الشارع الإسلاميّ – في القرون الثلاثة الأخيرة – أربعة أنماط من التجمّعات الإسلاميّة، يختلف كلُّ واحدٍ منها بكيانه عن الآخر، وهي: تجمّعات المذاهب الفقهيّة، وتجمّعات الطرق الصوفيّة، وتجمّعات الجمعيّات الخيريّة، وتجمّعات التنظيمات الوطنيّة.. وخارج هذه الأنماط الأربعة المتخصّصة لم يعاين المسلم المعاصر نمطاً خامساً.

والأسرة الدندراوية ليست واحداً من هذه الكيانات الأربعة المتخصصة ولا تطرح نفسها بديلاً عنها، كما أنّها في الوقت نفسه ليست بعيدةً ولا مناقضةً لأيّ واحدٍ منها.

ونظراً لهذا التداخل والتخارج بين الأسرة الدندراوية بين التجمعات المتخصصة الأربعة، فإنّ أبناء الأسرة الدندراوية يجدون عناءً شديداً ليبيّنوا لمحاوريهم أنّ الأسرة الدندراوية تختلف في تكوينها وكيانها عن أي واحدٍ من هذه التجمّعات.

وفي إطار تصنيف الأسرة الدندراوية بين جموع المسلمين نقول: إن الأسرة الدندراوية هي كيان اجتماعي يضم مسلمين محمديي التكوين يتآلفون على صورة أمّة المسلمين الواحدة، رغم تنوّع طوائفهم الفكريّة وطبقاتهم الاجتماعية ورغم تعدّد قوميات أعراقهم وأقاليم سكناهم.

لقد أراد السلطان الدندراوي بتأسيس جمعه المسلم على صورة الأمة أن يبيّن للجميع إمكانية انسجام الخصوصيات كلّها مع بعضها البعض داخل وعاء جمع واحد.. بل وضرورة ذلك للعودة إلى ما كنا عليه قبل تفتت بنيان مجتمعات الإسلام وتشتت نسيج أمة المسلمين.

إنّ الأسرة الدندراوية هي جمعٌ مسلمٌ يؤمن بكلّ ما يؤمن به المسلمون من معتقداتٍ إيمانيّةٍ، ويلتزم بكلّ ما يلتزم به المسلمون من فرائضَ إسلاميّة.. ومرجعيّته في الحياة والفكر هو كلام الله سبحانه وقول رسوله الكريم صلوات الله عليه.

فالأسرة الدندراوية هي جزءٌ من أمّة المسلمين، وهي لم تأتِ بإسلامٍ جديدٍ فيه خروجٌ على أيّ من الأصول المُجْمَع عليها عند جمهور العلماء. ولكنّها عملت على استرجاع “صورة الإسلام الأصيل” الذي طبّقه الصحابة الكرام في الحياة البشرية لسيّدنا رسول الله صلوات الله عليه، وتابعهم عليه السلفُ الصالح بإحسان.

فما هو الإسلام الأصيل الذي كان عليه الصحابة الكرام والسلف الصالح؟

من المنظور الدندراوي، إنّ الإسلام الأصيل يفرض على المسلم أعمالاً أربعة متلازمة هي:

1″ – الإيمان بمعتقدات نصّ عليها القرآن العظيم وبيّنها الرسول الكريم صلوات الله عليه.

2″ – النطق بشهادة التوحيد “أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله”.

 

3″ إقامة الإسلام بالالتزام بنظام حياة في العبادات والمعاملات والتماسك الاجتماعي والتلاحم الأممي.

4″ – الحفاظ على الوحدة العضويّة لجسد أمّة المسلمين بتحصيل تكوين إنساني يتفاعل بإيجابيّة مع التنوّع ومع التعدّد اللذان هما حتمية بشريّة في كل كيانٍ عامٍّ جامع.

ونفصّل هذه الأعمال الأربعة فيما يأتي:

 

1″ – العقيدة في الله جل وعلا.

إنّ كافة المعتقدات الإيمانيّة لأبناء الأسرة الدندراوية مدوّنةٌ بالتفصيل في الكتاب الأول والأجزاء الثلاثة من الكتاب الثاني من “الوثيقة البيضاء“، ويمكن مراجعتها في مواضعها. ونكتفي هنا بإيراد العقيدة في الله جلّ وعلا فنقول:

إنّ عقيدة أبناء الأسرة الدندراويّة في الله جل وعلا هي العقيدة التي يدين بها جمهور المسلمين.. وهي[2]:

إنَّـه على كـلِّ مَـنْ أسْـلمَ أنْ يَعْلـمَ أنَّ اللهَ سبحانه هـوَ الواحِـدُ في أُلـوهِيَّتِـه وهـو جلَّ عُـلاه الأَحَـدُ في ربـوبيَّتِـه.. فبوَحْدانيَّتِـه – جلَّ جلالُه – فلا والـدَ لَـهُ ولا وَلَـدَ، مُنَـزَّهٌ عَـنِ الْهيْئـةِ والصُّـورةِ والْمِثْليَّـةِ والصَّيْرورةِ، إلَـهٌ واحِـدٌ لا شَـريكَ لـهُ.. أخضـعَ سُـبحانـه وتعـالى جَميـعَ مَـنْ أقـامَهُـمْ في ملكـوتِ السَّـمواتِ والأرضِ لمشيئته وإرادته وأمره وإذنه. وهـو جلَّ عُـلاه بـأحديَّتِـه هـو ربُّ كـلِّ شـيءٍ لا يَحُـدُّ سُـلطـانَ ربُـوبيَّتِـه حَـدٌّ.. ولا يَخْـرُجُ على سُـلطـانِ ربـوبيَّتِـه أحـدٌ.

هو الأوَّلُ بلا بِدايـةٍ والآخِـرُ بلا نـهايـةٍ.. وهـو سـبحانه الظَّـاهرُ بِلا جلاءٍ والبـاطنُ بِلا خفـاءٍ.. وهـو سـبحانه الْمعـروفُ بـالصِّفـاتِ والْمعبـودُ بـالأسـماءِ..

وأنَّـه سـبحانـه هـو الواجـدُ لكلِّ موجودٍ وهـو سـبحانـه الْخالـقُ لكلِّ والـدٍ ومولـودٍ وهـو سـبحانـه الْمُعـزُّ لكلِّ مَـنْ أطـالَ لـه السُّـجودَ وهـو سـبحانـه الْمُـذلُّ لكلِّ مَنِ اتَّـخذَ غـيرَه معبـوداً.

وأنَّـه سـبحانـه الْحـيُّ الّذي لا يَمـوتُ وكـلُّ حـيٍّ مِـنْ خلقِـه لا مَحـالـةَ مَيِّتٌ.. فلا يَصِـحُّ أنْ يَشُـكَّ في أُلُـوهِيَّتِـه أحـدٌ وهـو سـبحانـه الـقاهـرُ فـوقَ عبـادِه فلا يَجـوزُ أنْ يُنـازِعَـه في ربُـوبِيَّتِـه أحـدٌ وهـو سـبحانـه الواحـدُ الأحـدُ الْمُتصـرِّفُ في خَلْقِـه.. فمُحـالٌ أنْ يُقـاسِـمَهُ سـلطانَـه أحـدٌ وهـو سـبحانـه الْمـالكُ لِمَلكوتِ السَّـمواتِ والأرضِ فلا إمكـانَ أنْ يكونَ لـه ضِـدٌّ ولا نِـدٌّ  ولا يُشَـارِكُـه في ملْكِـه أحـدٌ.

 

2″ – النطق بشهادة التوحيد.

لا يكفي أن يُؤمن الإنسان بوحدانيّة الله سبحانه وبرسوليّة سيد البشر محمد رسول الله صلوات الله عليه، بل عليه أن يشهد بذلك فينطق بكلمة التوحيد وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله.

إنّ الشهادتين معاً هما في الواقع شطران لشهادةٍ واحدة لا تتفكّك. ومن المنظور الدندراوي فلا يُعَدُّ من المسلمين من نطق بالشطر الأول من الشهادة فقال “أشهد أن لا إله إلا الله” ولم يتبعه بالشطر الثاني ويشهد “بأن محمداً رسول الله”.

 

3″ و4″ – إقامة الإسلام والحفاظ على وحدة جسد أمة المسلمين.

بعد أن يصحّح الإنسان عقيدته في الله سبحانه، ويدخل في الإسلام بالنطق بكلمة التوحيد، عليه أن يعلم أن الله سبحانه أرسل رسوله الكريم صلوات الله عليه لأداء دورين في حياته. وهذان الدوران متلازمان لا ينفصمان، ولا يُغني واحدهما عن الآخر، ولا يحقّ لمسلمٍ أن يستنسب الأخذ بدورٍ منهما مع إهمال الآخر. وهما:

الدور الأول: إنّه – صلوات الله عليه – هو الرسول الخاتَم المرسلٌ لإقامة الإسلام في وجدان الإنسان. الدَّورُ الثَّاني.. هوَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.. الزَّعِيمُ الجامعُ الذي جمَعَ اللهُ جلَّ علاهُ بهِ المسلمينَ.

وهذا يفرض في المقابل، أنّه على كلّ مسلم على مرّ الزمان، أن يكون أميناً على الدورين اللذين لسيد البشر محمد رسول الله في حياته. فيعمل على إقامة الإسلام، ويعمل في الوقت نفسه على تحصيل تكوينٍ إنسانيٍّ يمكّنه من أن يكون لبنةً متماسكةً في بنيان مجتمع الإسلام، وخيطاً متلاحماً في نسيج أمّة المسلمين..

  • كيف يكون المسلم أميناً على الدور الأول (دور الرسول الخاتَم) ويقيم الإسلام في وجدانه؟

يلتزم المسلم بالتزامات أربعة تُقيم الإسلام في وجدانه، وتُظهر استجابته للدور الأول لسيّدنا رسول الله صلوات الله عليه في حياته.. وهو دور الرسول الخاتَم للإسلام. وهذه الإلتزامات هي:

الأول.. يلتزم بمسلك السنّة المحمديّة في تأدية عباداته الثابتة.

الثاني.. يلتزم بسلوك الخُلُق المحمديّ في تأدية معاملاته مع الناس.

الثالث.. يلتزم بمنهج التماسك المحمديّ، الذي ينصّ على التضامن عند الفزع والتكافل وقت العسرة بين المسلمين من أهل المجتمع الواحد.

الرابع.. يلتزم بمنهاج التلاحم المحمديّ، الذي ينصّ على التوادد والتراحم والتعاطف بين المسلمين من أهل جميع الأوطان.

  • كيف يكون المسلم أميناً على الدور الثاني (دور الزعيم الجامع) ويسهم في تحسين دنيا المسلمين ليؤصلوا شموخ قيمتهم في الوجود؟

يبدأ المسلم بأن يرتبط بشخص سيّد البشر محمد رسول الله بارتباطين متلازمين، يغيّران تكوينه الإنسانيّ، ويجعلانه صاحب “تكوينٍ محمديّ”، فيصبح هو ذاك المسلم القادر على التفاعل الإيجابي مع التنوّع الفكري والطبقي ومع التعدّد العرقي والاقليمي.

وبما أنّ الإسلام لا يعتمد في أحكامه إلا على ما يظهر من أمر الإنسان، لذا، فإن لم يترجم هذا المسلم ارتباطه، ويُظهره في أفعالٍ وأقوالٍ، أو إن قام بأعمال تُناقض ما يزعم من ارتباط، فلا يلومنّ إلا نفسه، لأنّه ليس لأحدٍ أن يحكم – على صدق ارتباط أحد – بخلاف ما يظهر له منه.

أمّا الارتباطان المتلازمان فنفصلهما فيما يأتي:

الارتباط الأول – إيمانيّ.. وهو أن يؤمن المسلم بأنّ الذات النبويّة هي الذات الإنسانية المتفرّدة، فيرتبط بها ارتباط إيمان. ثم يُظهر هذا الارتباط الإيماني بأن يعمل على أن تنطبع مكوّناته الذاتيّة الأربع – البدن والروح والنفس والعقل – بصورة صفات الذات النبويّة المتفرّدة.. ومن أجل ذلك يقوم بأربع فاعليّات:

الفاعلية الأولى.. يحفظ بدنه بالتأسّي بنظافة إنسان سيّدنا رسول الله ، وبطهارة صلاته صلوات الله عليه.

الفاعلية الثانية.. ينقّي روحه بأن يُكثر من ذكر الله سبحانه بما ورد من كثير أذكاره صلوات الله عليه، وبأن يعدّد الصلوات عليه – صلى الله وسلم عليه – بلا عَدّ ولا حَدّ.

الفاعلية الثالثة.. يهذّب نفسه بأن يطبع عليها جمال حركاتـه صلوات الله عليه، وكمـال سكناته عليه صلوات الله.

الفاعلية الرابعة.. يعلّم عقله بعلم القرآن المعصوم الذي نزل على قلبه صلوات الله عليه، وبالتعاليم العصماء المحفوظة في أقواله الشريفة صلوات الله عليه.

الارتباط الثاني – انتمائي.. وهو أن ينتمي المسلم للذات النبوية المتفردة.. وهذا الانتماء يفرض عليه أن ينقّي وجهات نظره الشخصية من الأنانية والفردية والأحادية ومن أي تفاعلٍ سلبي مع الآخرين، ويحرص على أن يكون تفاعله مع محيطه الإنساني وفق التعاليم التي وضعها زعيم المسلمين صلوات الله عليه في مجال العلاقات البينية، وهي كالآتي:

التفاعل الأول.. تفاعل العقل مع الطائفيّات الفكريّة في الشارع الإسلامي. في هذا المجال، إنّ المسلم الذي ينتمي للذات النبويّة المتفرّدة، يتفهّم عقله فوائد تنوّع الطائفيّات الفكريّة ما بين سلفيّةٍ وصوفيّةٍ وجمعياتٍ خيريّةٍ وتنظيماتٍ وطنيّةٍ، ولا يتشدّد لطائفته الفكريّة مهاجماً كل الطائفيّات.

التفاعل الثاني.. تفاعل النفس مع الطبقيّات الاجتماعيّة. في هذا المجال، إنّ المسلم الذي ينتمي للذات النبويّة المتفرّدة، تستشعر نفسُه عدالةَ تنوّع الطبقيّات، فلا ينعزل بطبقته الاجتماعيّة مجافياً باقي الطبقيّات.

التفاعل الثالث.. تفاعل الروح مع القوميّات العرقيّة. في هذا المجال، إنّ المسلم الذي ينتمي للذات النبويّة المتفرّدة، يألف روحُه خاصيّة تعدّد القوميّات، فلا يتعصّب لقوميّته العرقيّة ويتعالى على كافّة القوميّات.

التفاعل الرابع.. تفاعل البدن مع التضاريس الإقليميّة. في هذا المجال، إنّ المسلم الذي ينتمي للذات النبويّة المتفرّدة، يحتمل بدنه خصوصيّة تعدّد الإقليميّات، فلا ينزوي داخل بلدته الاقليميّة مستغرباً سائر الإقليميّات.

وهكذا فإن ارتباط المسلم بشخص سيّد البشر محمد رسول الله، عليه صلوات الله، ليس كلمةً تُقال أو دعوى لا تحتاج إلى برهان، ولكن الارتباط هو إيمانٌ وانتماء. والبرهان عليه هو تغيير الإنسان لتكوينه ليتحقق بتكوينٍ محمديٍّ يرسّخ قيم الإسلام في وجدانه ويؤصّل شموخ قيمة المسلمين في الوجود.

بعد أن جال مؤسّس الأسرة الدندراوية، السلطان الدندراوي، في بلاد المسلمين ورأى تفتّت بنيان مجتمعاتهم، وتشتّت نسيج أمّتهم، ونظر إلى ممارساتهم – أفراداً وجماعات – لأمور إسلامهم، أدرك أن سبب ما هم فيه من حالٍ متردٍ هو تخلّيهم عن الدور الثاني لسيّد البشر محمد رسول الله في حياتهم.. إن معظم المسلمين فكّوا ارتباطهم بشخص سيّدنا رسول الله ، ونتج عن ذلك:

أن معظم المسلمين صاروا يطبقون إسلامهم في حدود أفهامهم الخاصة، فأحياناً يقْصُر الواحدُ منهم إسلامه على أمور العبادات الثابتة وبعض القيم الأخلاقيّة، وأحياناً يتوسّع آخر بفهمه للإسلام ليشمل العبادات والخُلُق والتعاون الاجتماعيّ، ونادراً ما يحسّ المسلم المعاصر أنّه – بالإسلام – ينتسب عضويّاً إلى الجسد الواحد لأمة المسلمين وأنّ عليه أن يتداعى لكل مرضٍ يطرأ على هذا الجسد.

وأنّ معظم المسلمين صاروا يصوغون مكوّناتهم الذاتيّة بما تمليه عليهم عقولهم الشخصيّة، فيتأسّون بذات من يستحسنون من البشر.. فلا يَسْلَمون من التمزّق الداخليّ بين النماذج الإنسانيّة المتفاوتة في قيَمها وأعمالها.

وأن معظم المسلمين صاروا يصنعون نظام علاقاتهم وتفاعلاتهم مع محيطهم البشريّ تبعاً لوجهات نظر شخصيّة قد لا تَسْلَم من المصالح والأهواء.

وهكذا فبدلاً أن يكون الإسلام مصدر أمنٍ وسلامٍ للجميع تحوّل بالفرديّة وبتعدّد المحوريّات إلى مجال صراعٍ فكريٍّ واجتماعيٍّ وقوميٍّ وإقليميّ، نادراً ما يسلم منه مجتمع إسلاميّ.

فبدلاً أن تكون أمّة المسلمين جسداً واحداً يتداعى لنُصرة بعضه البعض، حلّت فيه “الآكلة” وأخذت تدمّر أجزاؤه بعضها بعضاً.

لذا، فإن الإصلاح الإنسانيّ – كما بيّنه مؤسّس الأسرة الدندراوية – يكون باستعادة فهمنا للإسلام الأصيل وبإدراك مركزيّة الدورين اللذين هما لسيّد البشر محمد رسول الله – صلوات الله عليه – في حياة المسلم. ثمّ بعد الإدراك يأتي دور إرادة الإنسان لتلتزم بما اقتنعت به، أي لتلتزم بحمل أمانة الدورين معاً.

إذن، إنّ الإصلاح في رؤية مؤسّس الأسرة الدندراويّة يبدأ من الإنسان، وأيّ إصلاحٍ يتجاوز شخص الإنسان أو يهمّشه فهو إصلاحٌ مؤقّتٌ ومعرّض للإنهيار. والإصلاح الدندراوي هو إصلاحٌ إنسانيٌّ لأنّ كلّ إنسانٍ فيه مسؤولٌ عن الإصلاح، ومشاركٌ في العمليّة الإصلاحيّة كما أنّ مردود هذا الإصلاح يفيض على الإنسانيّة كلّها لا محالة، خاصّةً وأنّ المسلمين اليوم يشكلون أكثر من ربع سكّان الكرة الأرضيّة، ويؤثّر الاستقرار الداخليّ لأمّة المسلمين على الاستقرار العالميّ.

في زمنٍ تتصارع فيه الجهات لتشكيل هويّة الإنسان المسلم، نقول: إنّ الإنسان الدندراويّ هو مسلمٌ محمديّ التكوين. وهو يحرص على أن ينعكس تكوينه المحمديّ في كلِّ عملٍ ذاتيٍّ يقوم به، وأيضاً في كلّ دورٍ جماعيٍّ يمارسه.

إنّ السواد الأعظم من أهل التوحيد الذين فكّوا ارتباطهم بشخص سيّد البشر محمد رسول الله لم يناموا ليلاً ليستيقظوا صباحاً متّخذين القرار بالالتزام بدوره  رسولاً خاتِماً وبهجر دوره زعيماً جامعاً للمسلمين.. بل إنّ هذا التخلّي عن الدور الثاني جاء بعد سلسلةٍ من الهجمات – داخلية وخارجية – على شخص الرسول المصطفى صلوات الله عليه. وكان من أواخر هذه الهجمات منذ حوالي الثلاثمائة سنة، وقت ظهرت مزاعم تخوّف المسلمين على عقيدة التوحيد، وتحذّرهم من الردّة إلى الشرك، إن هم ارتبطوا بشخص الرسول المصطفى صلوات الله عليه.

وتشير الوثيقة البيضاء إلى هذه المزاعم بعبارة “المظنّة المظلمة الظالمة”. وقد وقع فريسةَ هذه المظنّة المظلمة الظالمة غالبيّة المسلمين، فتركوا الارتباط بالشخص الذي تمثّل فيه الإسلام بشراً سويّاً صلوات الله عليه.

وبهذا أصبح المسلم أحد اثنين: إمّا مسلماً يستقي هُدَاه من تقواه الشخصية، وإما مسلماً جعل هُدَاه وفق هواه.. فبات الإسلام غريباً عند كثيرٍ من المسلمين[3].

تجاه هذا الواقع الإسلاميّ، وفي مواجهة الهجمات الظالمة على شخص سيّد البشر محمد رسول الله – صلوات الله عليه – تتقدّم الأسرة الدندراوية لتحمل مهمّة “القضيّة المحمديّة” وتجعل أولويّات أهدافها الدفاع عن الأعتاب النبويّة، لأنّه لا يمكن لقيم الإسلام أن تقوم في وجدان الإنسان ولا يمكن لأمّة المسلمين أن تتلاحم خيوط نسيجها في الوجود بعيداً عن شخص الرسول المصطفى والزعيم المجتبى صلوات الله عليه.

إنّ الهدف الأساسي لمؤسّس الأسرة الدندراوية هو إنشاء جَمْعٍ يقول “بالفعل” – لا “بالنظريّات” – لجميع المحيطين به إنّ المسلمين قادرون على استعادة رسوخ قيم الإسلام في الوجدان، وعلى استعادة التماسك والتلاحم اللذان يشمخان بقيمة المسلمين في الوجود إن هم عادوا إلى الارتباط بشخص الرسول الخاتِم والزعيم الجامع صلوات الله عليه. من أجل ذلك، فقد حدّد – عليه من الله الرضوان – عملَيْن على كلّ واحدٍ من أبناء الأسرة الدندراوية أن يمارسَهما معاً. هذان العملان هما مسيرتان متلازمتان لا تنفصلان: الأولى ذاتيّة، والثانية جماعية.

أما المسيرة الذاتيّة فتبدأ بأن يرتبط المسلم بشخص سيّد البشر محمد رسول الله صلوات الله عليه ليستعيد التكوين المحمديّ الذي كان عليه الصحابة الكرام والسلف الصالح. لأنّ هذا التكوين الإنسانيّ هو وحده القادر على إنجاز المهمّة التي تحقّق الهدف من إنشاء الأسرة الدندراوية. إنّ المسلم بارتباطه بشخص الرسول المصطفى  يمكّن مكوّناته الذاتيّة الأربع – بدنه، روحه، نفسه، عقله – من الانطباع بفاعليّاتٍ ترسّخ في وجدانه قيم الإسلام الأربع [أي العبادات، المعاملات، التعاون، التلاحم]، ويمكّن – في الوقت نفسه – مرئيّاته الشخصيّة الأربع من الانصباغ بتفاعلات تعيد التماسك إلى بنيان المجتمع والتلاحم إلى نسيج الأمّة فتشمخ قيمة المسلمين في الوجود.

وهذه المسيرة الذاتيّة يبدأُها الإنسان بقرارٍ شخصيٍّ، ثمّ يحرص دائماً على مراقبتها بحفظ خطاه من التعثُّر تحت وطأة عادةٍ سيّئةٍ سابقةٍ أو غفلة وعي.

إن إتقان كلّ واحدٍ من أبناء الأسرة الدندراوية لمسيرته الذاتيّة يجعل منه مرآةً تُظهر التكوين المحمديّ أمام محيطه البشريّ، وتبيّن مردود هذا التكوين على الواحد وعلى الجميع.

والمسيرة الجماعية هي الإطار الإنساني الذي يمكّن كلّ واحد في الأسرة الدندراويّة من ممارسة مسيرته الذاتية. وعندما تبدأ المسيرة الجماعية خطاها لتحقيق وحدة الصف وانسجام الحركة الواحدة يصبح كل مركز من مراكز دندرة – في محيطها البشري – هي منارة ظهور “جمع إنسان محمد” صلى الله على سيدنا محمد.. فيقصدها من يشاء من المسلمين العازمين على الارتباط بشخص سيد البشر محمد رسول الله للمشاركة بالإصلاح الإنساني.

وقد وضعت الأسرة الدندراويّة برنامج مسيرتها الجماعيّة على أربع خطى مرحلية هي: الإظهار – الإشتهار – الإنصهار – الإنتشار.

فالإظهار، وهو المرحلة التي تُظهر فيها الأسرة الدندراويّة هوية تكوينها أي انّها زمرة من “جمع إنسان محمد” صلى الله على سيدنا محمد.

والإشتهار، هو حين تشتهر في محيطها الإنساني بما سبق وأظهرته في محيطها.

والإنصهار، وهو حين يصبح الخير عند الجمع خيراً للواحد، والمصيبة عند الواحد مصيبة للجميع.

والإنتشار، وهو حين تتزايد فروع الشجرة الإنسانية الثابتة للأسرة الدندراوية.

وضع مؤسّس الأسرة الدندراوية، السلطان الدندراوي، شرطاً واحداً للانتساب إلى جمعه المسلم. وهذا الشرط هو أن يرتبط المسلم الراغب بالانضمام إلى الصفوف بشخص سيّد البشر محمد رسول الله، عليه صلوات الله، بارتباطين متلازمين هما: ارتباط الإيمان بالذات النبويّة المتفرّدة، وارتباط الانتماء للذات النبوية المتفردة.

ينضمّ المسلم، الذي عزم على الارتباط بشخص سيّد البشر محمدٍ رسول الله ، إلى جمع الأسرة الدندراوية بالانتساب المعنويّ إلى مؤسّسها السلطان الدندراوي.

وهذا الانتساب المعنويّ إلى مؤسّس الأسرة الدندراوية يعطي المنتسب إليه اسم “الدندراويّ”، ولكنّه لا يحلّ محلّ نَسَبه العائليّ. ولذلك فإن الاسم الدالّ على الانتساب يسبق اسم الشخص واسم عائلته، فنقول: الدندراويّ فلان بن فلان.

وبهذا الانتساب المعنويّ يصبح مؤسّس الأسرة الدندراوية، السلطان الدندراويّ – عليه من الله الرضوان، هو الجدّ المعنويّ لجميع المنتسبين إلى جمعه. ويكون الدندراويّ الثاني، ابنه الإمام العباس الدندراويّ، هو الوالد الروحيّ لجميع أبناء الأسرة الدندراوية..

ويكون حامل المسئولية القيادية في جموع قبائل وعائلات الآسرة الدندراوية هو الشقيق الأكبر لجموع قبائل وعائلات الآسرة الدندراوية

وقد أمر مؤسّس الأسرة الدندراوية – عليه من الله الرضوان – أن يبقى الانتساب إلى صفوف جمعه المسلم باباً مفتوحاً أمام عامّة أهل التوحيد إلى ما شاء الله لبقاء الحياة.. وذلك حتى ينضمّ إلى جمعه كلّ من أراد ووقتَ ما يريد.. على الشرط المذكور آنفاً.

درج مؤسّسو التجمعات الإنسانيّة على توجيه عنايتهم لاستقطاب فئةٍ من الناس: فمنهم من يهتمّ بجَذْب الشباب، ومنهم من يفضّل طلاب الجامعات، ومنهم من ينتخب صفوة رجال الأعمال وأصحاب الجاه والثروات ولا يعير التفاتاً إلى فقيرٍ أو ضعيف، ومنهم من لا يقبل في جماعته إلا الأتقياء الصالحين ويرفض الانشغال بإصلاح الطالحين.

ولذلك، فكثيراً ما يُلفتنا نمط البنيةِ البشريةِ الفئويّةِ لتجمّعٍ من التجمعات عندما نشاركه في مناسبةٍ عامّة.

أما مؤسّس الأسرة الدندراوية فقد وجّه نداءه الإصلاحيّ لكلّ من يألَفُ ويُؤلَفُ من المسلمين، لأنّه أراد أن يعكس جمعُه المسلم صورةَ نسيج الأمّة وصورةَ بنيان المجتمع. ومن أجل ذلك حرص – عليه من الله الرضوان – على جملة مبادئ عمليّة هي:

1 – أن تضمّ البنية البشريّة لجمعه مسلمينَ منتسبينَ إلى الطوائف الفكريّة الإسلاميّة الأربعة.. فيكون في صفوف الأسرة الدندراوية أشخاصٌ: من أتباع المذاهب السلفيّة، ومن مريدي الطرق الصوفيّة، ومن أعضاء الجمعيّات الخيريّة، ومن مناضلي التنظيمات الوطنيّة.

2 – أن تضمّ البنية البشريّة لجمعه أشخاصاً من طبقات المجتمع بفئاته كلّها.. فيكون في صفوف الأسرة الدندراوية: الغنيّ والفقير، القويّ والضعيف، العالم والأميّ، الراعي والرعيّة.

3 – أن تضمّ البنية البشريّة لجمعه أشخاصاً من أعراق شعوب العالم بألوانها الأربعة.. فيكون في صفوف الأسرة الدندراوية: الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر.

4 – أن تضمّ البنية البشريّة لجمعه مسلمينَ منتشرينَ في جهات الأرض الأربع، ويسكنون تضاريس الأرض الأربعة. فيكون في صفوف الأسرة الدندراوية: من أهل الشرق والغرب والجنوب والشمال، الساكنين في جبالٍ أو وديانٍ أو سهولٍ أو سواحل.

5 – أن تضمّ البنية البشريّة لجمعه مسلمينَ موزّعينَ في البلاد، سواءً كانوا على هيئة قبائل أو عائلات.. فتكون صفوف الأسرة الدندراوية متراصّةً من قبائل وعائلات، منسكبة في بنيةٍ بشريّةٍ واحدة، بالانتساب المعنويّ إلى مؤسّس الأسرة الدندراوية.

إذن، تتآلف البنية البشريّة لجمع الأسرة الدندراوية من مسلمين محمديي التكوين، ينتسبون إلى قبائل وعائلاتٍ، متحدّرةٍ من أعراق شعوب العالم بألوانها الأربعة، ومنتشرةٍ في جهات الأرض الأربع، وتسكن تضاريس الأرض الأربعة، وتتفاوت معيشتهم بحسب أوضاع طبقاتهم الاجتماعيّة الأربع.

تنظر الأسرة الدندراوية إلى المذاهب الفقهيّة الأربعة على أنّها المدارس التي يتعلّم منها المسلم أحكام الشريعة الغرّاء في العبادات والمعاملات وفق مسلك السنّة النبويّة القويم.

وفي الرؤية الدندراويّة فإنّ سيد البشر محمداً رسول الله قد رسم لسُنّته النبويّة أوجهاً أربعة، وهدى الله جلّ علاه فقهاء الأمّة الأربعة ليُبَيّن كلّ واحدٍ منهم – رضي الله عنه – وجهاً من أوجه السُنّة الأربعة.

ويستطيع المسلم أن يلتزم بمسلك السُنّة المحمدية القويم من الوجه الذي يقدر عليه ويوافق طبيعته الشخصيّة في التشدّد والتشدّد الأقل والتوسّط والتخفيف، ويتّفق – في الوقت نفسه – مع محيطه المناخي. وكلّ ذلك من غير غلوّ ولا تغالٍ.

وقد أخذ مؤسس الأسرة الدندراوية السلطان الدندراوي أحكام عباداته عن المذهب الشافعي وترك لكلّ واحد في جمعه المسلم الحريّةَ في أخذ أحكام عباداته عن المذهب الفقهي الذي يقدر عليه، من دون أن يتعصّب لمذهبٍ دون الآخر، لأنّ اختلاف المذاهب الشرعيّة هو اختلاف مواءمة وليس اختلاف مخالفة.

وهكذا، فإنّ الأسرة الدندراوية ليست مذهباً فقهياً جديداً وبنيتها البشريّة مفتوحة ومهيّئة لتضمّ من يريد من أتباع المذاهب الفقهية الأربعة، ووقتما يريد.. ليظهر الجميع محوريّة الارتباط بشخص الرسول المصطفى والزعيم المجتبى في استعادة لحمة نسيج أمّة المسلمين، وما ينتج عن هذه اللحمة من تقدّم عمراني ونماء إنساني وعلاءٍ بين أمم العالم.

تنظر الأسرة الدندراوية إلى المشارب الصوفيّة على أنّها مدارس الآداب المحمدية التي تختصّ بتعليم المسلم أصول إحكام إسلامه بحُسن التأسّي بالأسوة المحمدية الحسنة، وتُكسِبه الذوق الرفيع في الإدراك والهمّة العالية في الإرادة.

كما أنّ هذه المشارب تُغذّي الأرواح بأوراد أذكارها وصلواتها، وترتفع بالإنسان الذي يمارسها من سُفليّة طينته إلى سموّ بشريّته.

وحتّى يبيّن السلطان الدندراوي لزوم المشرب الصوفي للإنسان المسلم أخذ لنفسه ولجميع نَسَبِ عَصَبِهِ المشرب الأحمديّ الإدريسي، وترك لسائر المنتسبين إلى جمعه المسلم الحريّة في أخذ أصول إحكام إسلامهم وأوراد تغذية أرواحهم عن المشرب الصوفي الطاهر الذي ترتاح إليه أرواحهم.

وهكذا، فإنّ الأسرة الدندراوية ليست طريقةً صوفيّة وإنّما يأخذ أبناؤها بمشربٍ صوفي ومعظمهم متأدّب بالمشرب الأحمدي الإدريسي ورغم ذلك، فإنّهم لا يتعصّبون لمشربٍ دون الآخر، ويتعاملون مع كلّ مسلم ينتسب إلى تجمّع طريقةٍ صوفيّة طاهرة على أنّه الأخ والجار والصديق والرفيق.

وبهذا القبول للتعدّد في المشارب الذوقيّة تكون البنية البشريّة للأسرة الدندراويّة مفتوحة ومُهَيّئة لتضمّ من يريد من أتباع الطرق الصوفية، ووقتما يريد.. ليستعيد الجميع بتلاحمهم جوهر نسيج أمّة المسلمين، وتعود لهم سابق مكانتهم بين الأمم.

إن أبناء الأسرة الدندراوية يلتزمون بالتماسك الاجتماعيّ، لأنه واجبٌ إسلاميٌّ لا تتكامل إقامة الإنسان لإسلامه من دونه.

ومن أجل ذلك يلتزمون بالتعاون الاجتماعيّ ليس فيما بينهم فقط وإنما مع كافّة أهل مجتمعهم؛ ويأخذ تعاونهم منهج التضامن عند الفزع والتكافل وقت العسرة.

ورغم تعلق أبناء الأسرة الدندراوية بالتعاون الاجتماعيّ، إلا أن الأسرة الدندراوية ليست جمعية خيريّة في تكوينها وكيانها. ولكن عدم كونها جمعيّةً خيريّةً لا يعني أنها لا تثمن جهود الجمعيّات الخيريّة الصادقة، أو أنها نقيضة للتجمع الخيريّ، بل العكس فإن صفوفها مفتوحةٌ لكل عضوٍ في جمعيّةٍ خيريّةٍ أراد الانتساب إلى جمع الأسرة الدندراوية.

وفي المحصلة، فإن من نظام الأسرة الدندراوية أن يحترم أبناؤها كافة التجمعات الخيرية الصادقة ويتعاملون مع من يخالطون من أعضائها على أنّ الواحد منهم هو الأخ أو الصديق أو الجار أو الرفيق.

رأى مؤسّس الأسرة الدندراوية أثناء ترحاله في بلاد المسلمين، أن الأوضاع المعيشيّة للناس أدّت في كثيرٍ من المجتمعات إلى فرزٍ طبقي. إذ انجذب أصحاب الأوضاع المعيشية المتقاربة إلى معاشرة بعضهم البعض وانعزل واحدهم بطبقته مجافياً أهل باقي الطبقات. فارتدّ ذلك كلّه على بنيان المجتمع، إذ تفتّت تماسكه وحُرم من استدامة أيّة عمليّة تنمويّة.

لذا، حرص مؤسّس الأسرة الدندراوية على أن يعكس جمعه المسلم مظهر بنيان مجتمع الإسلام، فجعله كياناً اجتماعيّاً ضاماً لأشخاصٍ من طبقات المجتمع بفئاته كلّها، وليس كياناً طبقياً يضم فئةً اجتماعيّةً واحدةً فقط.

إذن، إنّ الأسرة الدندراوية تجمع في كيانها الواحد فئاتٍ اجتماعيّةً متعدّدة، وهي تريد أن تبيّن لكلّ من خالط جموع ساحةٍ من ساحاتها في مجتمعٍ من المجتمعات أن الإنسان بصدق ارتباطه بشخص سيّد البشر صلوات الله عليه يستطيع أن يخترق حاجز الفوارق الطبقيّة، وأن يتماسك من موقعه الاجتماعيّ مع أهل كافّة الطبقات.. وذلك لأنّه هذّب نفسه فسَمَت بالشمائليّة وطوّعها لتستشعر العدالة في تنوع الطبقيات، ونبذ التحاسد فلا يحسد فقيرٌ غنيّاً ولا ضعيفٌ قوياً ولا أميٌّ عالماً ولا رعيةٌ راعياً.

إن أبناء الأسرة الدندراوية يلتزمون بوحدة صفّ أمّة المسلمين، لأنّه واجبٌ إسلاميٌّ لا تتكامل إقامة الإنسان لإسلامه من دونه. ومن أجل ذلك يلتزمون بالتلاحم مع إخوانهم في مجتمعات الإسلام عبر الأوطان بمنهاج التوادد والتراحم والتعاطف، لأنّ هذا المنهاج هو المغزل الذي يلاحم نسيج أمّة المسلمين في جسد واحد.

ورغم التزام أبناء الأسرة الدندراوية بوحدة الصف وبانسجام الحركة الواحدة على مدى انتشار جموع ساحاتها إلا أنّها ليست تنظيماً وطنياً. وهذا لا يعني أنها تدين التجمعات الوطنيّة أو ترفض الآخر العامل في النشاط السياسي الوطني، بل العكس فإنّ صفوفها مفتوحةٌ لأيّ فردٍ في تنظيمٍ وطنيٍّ صالح أراد الانتساب إلى جمع الأسرة الدندراوية ليشارك في استعادة جوهر نسيج أمّة المسلمين.

وفي المحصّلة، فإنّ من نظام الأسرة الدندراوية أن يحترم أبناؤها كافّة التنظيمات الوطنيّة الصالحة، ويتعاملوا مع من يخالطون من أبنائها على أنّ الواحد منهم هو الأخ أو الصديق أو الجار أو الرفيق.

إنّ خصائص الناس تتباين تبعاً لاختلاف أعراقهم، دون أن يؤدّي اختلاف الخصائص إلى تصنيفٍ عرقيٍّ فتكون قومية أعلى من قوميّةٍ وعرقٌ أفضل من عرق.

إن الأسرة الدندراوية تنظر إلى قوميّات شعوب الأرض كلّها على أنّها متساويةٌ في القيمة الإنسانيّة، ولا فضل لواحدٍ من عرقٍ على واحدٍ من عرقٍ آخر إلا بالعمل الصالح.

وحيث إن أمّة المسلمين يتلاحم نسيجها من شعوب أعراق الناس الأربعة [الأبيض والأسود والأحمر والأصفر]، فقد حرص مؤسّس الأسرة الدندراوية على أن يعكس جمعُه المسلم جوهرَ نسيج أمّة المسلمين، فجعله كياناً اجتماعيّاً يشتمل على أعراق الشعوب بألوانها الأربعة، وليس كياناً قوميّاً يضمّ قوميّةً عرقيّةً واحدةً لا غير.

إذن، إنّ الأسرة الدندراوية تضمّ في كيانها الواحد عدّة قوميّات، وهي تريد أن تبيّن لكلّ من يحضر مؤتمراً من مؤتمراتها العامّة ويرى التعدّد العرقيّ في صفوفها، أنّ الإنسان بصدق ارتباطه بشخص سيّد البشر صلوات الله عليه يستطيع أن يخترق عقبة العصبيّات القوميّة وأن يتلاحم مع أهل كافّة القوميّات دون أن يفقد خصائص عرقه.. وذلك لأنه نقّى روحه فتحقّق بالشفافية، وطوّعه ليألف خاصيّة القوميّات المتعدّدة، وينبذ التعصّب لقوميّته والتفاخر بها متعالياً على كافّة القوميّات.

إن انتساب المسلم إلى جمع الأسرة الدندراوية يشدُّ ولاءَه للدولة الشرعيّة التي هو واحدٌ من مواطنيها، ويؤكّد على التزامه بكافة قوانينها وأنظمتها. وهذه العلاقة مع الدولة التي لا يشوبها احتكاك أو نزاع تؤمّن المناخ المناسب للدولة لتنصرف إلى ممارسة وظائفها والقيام بواجبها الوطني بالعمل على استمرار أمن سلامة مواطنيها وعلى استقرار أمان رزقهم. فالإنسان يحتاج إلى الأمرين معاً – إلى استمرار أمنه، وإلى استقرار رزقه – ليشعر بكرامته الذاتيّة وليتمكن من الحركة والنماء.

ومن المقولات الدندراوية: “استقرار طمأنينةُ الإنسانِ على استمرار أمن سلامته حِصْنُ كرامتِهِ.. ويقينُه من استقرارِ رزقه دفعُ حركتِه”.

إن الأسرة الدندراوية لا تتعاطى السياسة على مستوى جموع ساحاتها في أوطان انتشارها، وهي لا تشغلها السياسة لأنّها ليست قضيّتها، ولكنّها – في الوقت نفسه – لا تمنع أيّ واحدٍ من أبنائها من ممارسة العمل السياسيّ، شرط أن يقوم بعمله على أنّه شأنٌ شخصيٌّ ولا يطالب أبناء الأسرة الدندراوية من جموع  مركزه  بالتحزّب معه لمصلحةٍ سياسيّة.

إن الأسرة الدندراوية هي كيانٌ اجتماعيٌّ وليست كياناً سياسيّاً، وأيّما واحدٍ من أبنائها مارس العمل السياسيّ فإنّه إنّما يمارسه بصفته الشخصيّة. فالأسرة الدندراوية تعتبر أنّ العمل السياسي هو مهنةٌ كسائر المهن ضروريّة للاجتماع الإنسانيّ، وتخضع لما تخضع له كلّ مهنةٍ من شروطٍ على مستوى الكفاءة المعرفيّة والأخلاقيّة.

ومن المقولات الدندراوية: “نحن نَعْلَمُ بالسياسة ولا نَعْمَلُ بالسياسة”.

إن مجتمع الإسلام – من المنظور الدندراوي – هو مجتمعٌ تعدّديٌّ، يعيش فيه المسلم مع غير المسلم. ولم يطالب الإسلام في نصٍّ من نصوصه القدسيّة الشخص المسلم بأن يعيش في مجتمعٍ أُحاديّ تُقصى منه أهل الديانات الأخرى.. كما أنّ السيرة النبويّة الطاهرة أرتنا أن المجتمع الذي يقيمه الإسلام هو مجتمعٌ تعدّديٌّ، وأن مسؤوليّة تنميته ليعلو بنيانه هي واجب الجميع.

ولذا، فإن موقف الأسرة الدندراوية من أهل الديانات الأخرى الذين يشاركون المواطنة في مجتمعٍ واحد هو الموقف الرسميّ لجمهور المسلمين. وملخّصه، أنّ المسلمين لا يُكرهون أحداً على الإسلام. لأنه “لا إكراه في الدين”. ثم إنّ من يُؤذي واحداً من أهل الديانات السماويّة لا لشيء إلا لأنّه على دينٍ غير الإسلام، ويبني مشروعيّة أذاه على فتوى شخصيّةٍ أو جماعيّةٍ لا تتبنّاها دولةٌ شرعيّةٌ، فهو يؤذي سيّدنا رسول الله صلوات الله عليه لأنّه – أعلن حمايته وأعطى جواره لكلّ من يعيش في ديار المسلمين ومعهم وهو على غير دينهم.

إنّ احترام الشريك الاجتماعيّ غير المسلم وحماية حياته وتأمين سلامته وإحسان جواره هو نهجٌ إسلاميٌّ. وليس مقبولاً عقلاً وشرعاً أن يحدث تعديلٌ لهذا النهج، مع جماعةٍ من الجماعات، بالانزياح من السلم إلى القتال إلا على مستوى الدولة الشرعيّة وبعد ظهور العداوة والمبادرة بالحرب من قبل هذه الجماعة.

إن الأسرة الدندراوية وإن كانت كياناً اجتماعيّاً يضمّ أشخاصاً مسلمين فقط، إلا أن كافّة جموعهم على انتشار أوطانهم يعيشون في حسن جوارٍ مع غير المسلمين من مواطني الدولة التي يدينون لها بالولاء.

إن الأسرة الدندراوية هي كيانٌ اجتماعيٌّ على صورة القبيلة الواحدة التي تفرّعت عائلاتها في شتى البلدان.

وحيث إنّ العائلة تضمّ في كيانها الواحد أجيال الإنسان الأربعة – الكهل والرجل والشابّ والطفل – ذكراً وأنثى، فإنّ مؤسّس الأسرة الدندراوية وجّه نداءه الإصلاحيّ لكلّ من يألف ويؤلف من المسلمين لينضمّ هو وأهل بيته إلى صفوف الأسرة الدندراوية.

إذن، إنّ الأسرة الدندراوية ليست هيئةً أهليّةً تأسّست للقيام بأنشطةٍ تعمل على تحسين الشروط الحياتيّة للمرأة وعلى تمكينها في الأرض وصقل مهاراتها. ولكنّها – ومع تقديرها لكافّة الهيئات المهتمّة بالمرأة – هي كيانٌ اجتماعيٌّ تشكّل الأنثى – بأجيالها الأربعة – جزءاً حيويّاً في بنيتها البشريّة.

إن المرأة في الأسرة الدندراوية هي الشريك للرجل لتحقيق الإصلاح الإنسانيّ، وهي تتحدّى معه – بصدق ارتباطها بشخص سيّد البشر صلوات الله عليه – كافّة الآفات التي تشقّق وجدان الإنسان المعاصر وكافّة الساحقات التي تجعل وجوده ميدان شقاق الأفراد المتفرّقة والتجمّعات المتفارقة.

إنّ المرأة في الأسرة الدندراوية هي واحدٌ من جمع أمّة المسلمين وهي مطالبةٌ كالرجل تماماً بالنهوض للتغيير الاجتماعيّ والأمميّ.. إنّ الأسرة الدندراوية لم تنشأ من أجل المرأة وإنّما من أجل الإنسان بأجياله الأربعة، ذكراً وأنثى.

ومن يتابع مسيرة الأسرة الدندراوية منذ أوّل مؤتمرٍ عامٍّ سنويٍّ لها بمناسبة المولد النبويّ الشريف في دندرة عام 1973 ميلادي وصولاً إلى اليوم، يرى بوضوح التقدّم الذي أحرزته المرأة لنفسها، سواءً على صعيد حضورها الفاعل في المؤتمر أو على صعيد أنشطتها التعليميّة والتربويّة في جموع ساحاتها على امتداد بلدان انتشار الأسرة الدندراوية.

إن المرأة في الأسرة الدندراوية لها على جمعها المسلم الحقوق والواجبات نفسها التي للرجل، فهي صاحبة رأيٍ مسموعٍ في المؤتمرات العامة وفي جموع ساحاتها، وهي مسؤولةٌ عن أيّ تقصيرٍ أو تهاونٍ ومكرّمةٌ مقابل كلّ بذلٍ وعطاء، وهي تصعد – في إطار شرعيٍّ – إلى المنصّة لتلقي محاضرتها في الاحتفالات أو تقول كلمتها من مكانها في “الصيوان” المخصّص للنساء والمحاذي “لصيوان” الرجال بفاصلٍ شرعيّ.

إن الأسرة الدندراوية ترى أن عمليّة الإصلاح الإنسانيّ، التي تتطلّب تغييراً على كافّة الأصعدة يعيد تأسيس الحاضر المعاصر على أصالة الأساس، لا يمكن أن تنجح وتستمرّ بمعزلٍ عن الشراكة مع المرأة بأجيالها الأربعة.. أياً كان لون عرقها، أو موقع بلدتها، أو نمط تعايشها، أو وضع معيشتها، أو مذهب أحكامها، أو مشرب إحكامها، أو جمعيّة تعاونها، أو تنظيم نضالها، وسواءٌ أكانت منطويةً على ذاتها أو منطلقةً في جماعتها.

 

ولعله من اللازِم أن نُوجِز القول فنقول : إن الأسرة  الدندراوية جَمْع مسلم حقَّقَ الشمولية والوسطية بالارتباط بشخص مَنْ صلى الإله عليه وسلم .. الرسول الخاتم للإسلام … والزعيم الجامع للمسلمين.

 

[1]  – دولة الأدارسة: بعد ما يقارب من 84 عاماً من دخول الإسلام إلى أرض المغرب الأقصى، أنشأ الإدريسي الأول، وهو إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عام 172 هجرية أي ما يوافق لعام 788 ميلادي، أوّل دولة مغربيّةٍ، عُرفت باسم دولة الأدارسة وحكمت المغرب حوالي 200 سنة.

[2]  – انظر الجزء الأول من الكتاب الثاني من الوثيقة البيضاء.

[3]  – انظر: الوثيقة البيضاء، الكتاب الأول، ص 34.